" لم يكن لدي خيار".. كثيرا ما أسمع هذه العبارة في الأفلام الأجنبية حين يقتل شخصا آخر ويبرر جريمته بأنه لم يكن أمامه خيار، فيرد عليه الآخر" دائما لدينا خيار".

هناك عبارات كثيرة أخرى تؤكد بأن الإنسان مخير وليس مسير، وأن النفس بما كسبت رهينة، وأن الإنسان له حرية الإختيار حتى في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..

عبر التاريخ هناك إمبراطوريات ودول نشأت ثم أفلت.. حكام وقادة جاؤا وذهبوا، منهم من بنى حضارة ومنهم من هدمها..

في التاريخ القريب إختار الزعيم الهندي المهاتما غاندي سبيل اللاعنف والنضال السلبي لطرد المستعمر البريطاني من بلده، وكان صومه عن الطعام يرعب الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عنها..وبالمقابل ظهر عمر المختار الذي قاد ثورة دامية ضد الإحتلال الإيطالي لبلده..وقدم الشعب الجزائري مليون شهيد لطرد الاستعمار الفرنسي.

الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن حرر الملايين من عبيد بلاده وأعاد لهم كرامتهم الإنسانية المهدورة، وفي روسيا قتل ستالين الملايين من معارضيه خلال فترة حكمه.. وينستون تشرشل والجنرال شارل ديغول بطلا الحرب العالمية الثانية تنازلا عن حكمهما في بريطانيا وفرنسا رغم أنهما قادا شعبيهما الى الإنتصار بالحرب حين شعرا بتدني شعبيتهما، وصدام والقذافي وعلي عبدالله صالح وبشار الأسد لم يطلقا رصاصة واحدة دفاعا عن أوطانهم لكن كل واحد منهم حكموا شعبهم بالحديد والنار لعدة عقود وهدروا كرامة شعبهم ومرغوا وجوههم بالتراب.

التاريخ لن ينسى أحدا، فخلد غاندي ومانديلا وديغول رموزا للقادة العظام الذين كرسوا حياتهم لخدمة شعبهم والبشرية، وخلد هتلر وموسوليني وعيدي أمين والقذافي وصدام وغيرهم رموزا للطغيان والظلم لشعبهم..

الحاكم يستطيع أن يختار، فدائما هناك خيار في أن يتحول الى حاكم عادل يخلص لشعبه ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، أو أن يصبح ديكتاتورا سفاحا ظالما يرمى بمزبلة التاريخ كرمز للشر والطغيان والظلم..

كان ديغول مؤمنا بأنه لا يوجد شىء ثابت في السياسة، وأن شعبية الحاكم معرضة بدورها الى التغيير، وأنه ليس هناك شيء يسمى بالتفويض الى الأبد أو توقيع الشيك على البياض للحاكم، فعلى الرغم من أنه كان الزعيم الذي أحبه شعبه بعد أن قاده الى الإنتصار بالحرب وأسس الجمهورية الجديدة بفرنسا،لكن الشعب إنقلب عليه،فخرجت تظاهرات الطلبة ضد سياساته فلم يعاند أو يتكبر أو يبيع الوطنية على شعبه، بل نزل عند رغبة مواطنيه وقدم إستقالته وإعتزل السياسة وأنزوى في بيته.

أما عندنا فلا وجود للتنحي أو الإستقالة بقاموس الحكام فهم لا يعتبرون من دروس الطغاة، فصدام حسين حكم لثلاثة عقود ونيف، وكان يتوهم بأنه سيعيش خالدا أبد الدهر، لذلك لم يرفع يده عن ظلم الناس حتى آخر لحظات حكمه الأسود في العراق.

حافظ الأسد الذي نهل من نفس معين الحزب الذي جاء بصدام للحكم وهو حزب البعث، حكم لأربعين سنة ثم أورث حكمه لأبنه الطاغية الذي دمر بلده وشرد شعبه.

علي عبدالله صالح أفقر شعبه وهلك الحرث والنسل ببلده، ويسعى الآن بعد أن سود الله وجهه ليورث الحكم لولده الطاغية العسكري.

في كردستان العراق سعت العائلة البارزانية الى إحكام قبضتها على الحكم منذ إندلاع ثورة الشعب الكردي عام 1961، وقبل عشر سنوات حين أتيحت الفرصة لإنتخاب رئيس للإقليم فرض مسعود بارزاني نفسه رئيسا ومازال بعد إنتهاء دورتيه الرئاسيتين يسعى بالضد من القانون الى التمديد لولايتين أخريين ليكمل بذلك حكمه لعشرين سنة كما فعل الطغاة في المنطقة، مع أن بيده الخيار للتنحي وترك المنصب للآخرين، وبذلك فإنه يريد أن يحتل موقعه في التاريخ، ولكن في أي صفحة من صفحاتها سيدرج إسمه، هذا حكم متروك لأفعاله ولما قدمه لشعبه طوال سنوات حكمه.