الصورة العلوية لأحداث المنطقة العربية سياسياً ماهي إلا صورة ضوئية لتطبيقات برنامج الفوضى الخلاقة (1) (الشرق الأوسط الجديد ) الذي أرست قواعده الولايات المتحدة الأمريكية مطلع عام 2005م تداركاً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة, وما واقع الحال في ليبيا وتونس وسوريا ومصر "لازالت تقاوم" واليمن حاليا إلا مقدمة نتائج هذا التطبيق ومخرجاته كصورة مظهرة ومقربة لها.

"ولا يختلف العراق عنهم بشيء إلا انه سبقهم بذلك بعدة سنوات بتدخل عسكري مباشر من أمريكا لوجود المبرر الجاهز والمقبول من دول المنطقة حينها (إزالة رأس النظام) والذي أصبح بمثابة الفخ لاحقاً الذي تعاني منه دول المنطقة الى يومنا الحاضر".

احداث اليمن الجيوسياسية لم تشذ بعيداً عن سيناريو المنطقة العربية المعد مسبقاً وتنقل ضربات الفوضى الخلاقة من ركن لأخر لإحكام النتائج بين حلقاتها لخلخلة مفاصل الدول العربية وإعادة تشكيلها من جديد بما يتوافق مع مصالح القوى الدولية. وبينما يقبع المواطن العربي داخل زوايا هذه اللعبة ويعيش مأساتها هناك في النهاية من يتحكم بها عن بعد!.

لم تكن عاصفة الحزم ( تحالف عربي عسكري أيدته الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاحقاً بقيادة المملكة العربية السعودية شُكل تلبية لطلب الرئاسة اليمنية الشرعية –المعترف بها دوليا - لإعادة الأمور الى نصابها في اليمن بعد انقلاب المليشيات الحوثية والقوى العسكرية الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عليها, واستيلائهم بالقوة على مقاليد الحكم وتمددهم داخل الأراضي اليمنية وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح ضاربين بعرض الحائط كافة الاتفاقيات السابقة التي وقعت من قبل جميع الأحزاب السياسية اليمنية "المبادرة الخليجية واتفاقية السلم والشراكة" ) إلا نتيجة حتمية لصد أدوات وإرهاصات الفوضى الخلاقة التي أريد لها أن تضرب باليمن استكمالا لحلقاتها السابقة لتعصف بالتالي بالدول المجاورة لها أي دول شبه الجزيرة العربية نحو عمقها المتمثل بالمملكة العربية السعودية واطرافها المتمثلة ببقية دول مجلس التعاون الخليجي التي بقيت بعيدة عن ما سمي بالربيع العربي!.

مكمن الخطورة بأدوات الفوضى الخلاقة في الجانب الشرقي من العالم العربي هو استخدام البعد الطائفي فيها والتي أجادت ووُكلت ايران باستغلاله والمساهمة به من أجل محاولة تمددها بالمنطقة العربية "في العراق وسوريا ولبنان واليمن " وذلك بدعمها للمليشيات الطائفية الشيعية تارة ودفعها نحو تنفيذ أجندتها بالمنطقة العربية تارة أخرى.

محاولة هذا التمدد الفارسي بالمنطقة العربية لم يكن ليظهر للنور لولا التراخي والضوء الأخضر الذي وجده من السياسة الغربية في المنطقة؟! لذا ذكرنا في المقال السابق ( الروس قادمون ):على دول مجلس التعاون الخليجي أن تعنى بشؤونها ومصالحها "بيدها" قبل طلب المساعدة من المجتمع الدولي. وهو ما حصل تماماً بعاصفة الحزم! (2).

أنصار الله أو الحوثيين في اليمن لم يكونوا إلا أداة ذات تبعيه ايرانية " نشأت وتدربت بمعرفة الاستخبارات الغربية ورضاها" تم استغلالها من قبل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بشكل رئيسي كورقة مساومة وضغط لفرض أجندته على اليمن لاحقاً بعد أن تم إخراجه من العملية السياسية فيها عام 2011م ولمحاولة منه للعودة لواجهة الأحداث السياسية وابتزاز المنطقة بهم وكعراب يستطيع القضاء عليهم والحد من قدرتهم متى ما تم التوافق معه إقليمياً! "مثلما أستخدم ورقة القاعدة مسبقا وتنقل بين ورقتي الإصلاح والحوثيين ".

القاسم المشترك بأدوات الفوضى الخلاقة بالقسم الشرقي من العالم العربي هو وجود العنصر الفارسي بها! الطامح لتطويق المنطقة العربية ثم الانقضاض عليها ولا يخجل المسؤولين الإيرانيين من التصريح بذلك إعلامياً (بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية و أصبحنا نسيطر على أربع عواصم عربية حتى الآن؟!).

لذا من أبجديات الحد من هذا التوغل الفارسي وتدخلاته بالدول العربية التي تعاني من اضطرابات بسببه هو مساعدة شعوبها للتخلص منه وممن يسانده كتابع في آن واحد. وكلما تأخرت هذه المساعدة العملية انتظاراً للقرارات الدولية التي لا تعترف إلا بالأمر الواقع حسب أجندتها ومصالحها, كلما رأينا نتائجها السلبية تطال المنطقة ككل.

أضعف الحلقات المفصلية للتدخل والغزو الفارسي بالمنطقة العربية تقع في سوريا لما يبديه شعبها "العربي" من مقاومة واضحة المعالم اتجاهه واتجاه ميليشياته خلاف مقاومته للنظام الذي تحميه ايران! ولما لسوريا من موقع استراتيجي جغرافيا متمثلا بكونها المفصل والمعبر الثنائي الذي يطل على التواجد والنفوذ الإيراني في لبنان والعراق والذي يعاني

أيضا من الهيمنة والتدخل الإيراني المباشر بشؤونه الداخلية "عبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باستحياء امتعاضه من ذلك! وإن كان هذا التصريح ليس بذو أهمية لأن واقع الحال معروف".

كل ذلك يستلزم أن تولى سوريا وشعبها الأهمية القصوى من قبل الدول العربية باعتبارها بوابة القضاء على التدخل والتمدد الإيراني بالمنطقة العربية فحين الولوج للبوابة السورية عربياً بعدها ستتساقط الدهاليز والأنظمة والمليشيات والخلايا النائمة المرتبطة بإيران تباعاً في لبنان والعراق واليمن وبقية دول المنطقة.

"وهذا هو ما عنته ايران مسبقاً بقولها أن سقوط سوريا من يدها يمثل بمثابة سقوط طهران! ".

إن كانت الفوضى الخلاقة قد القت بشباكها على المنطقة العربية فلا مناص من تقطيع حبالها ولكل آمر وموضع كلفته من الدماء أو العبر عله يكون شفيعا لتدارك مسبباته للأجيال القادمة.

&

ــــــــــــــ

(1) مقال سابق بعنوان: الفوضى الخلاقة على أنغام الجاز الامريكي

(2) المفارقة المؤسفة باليمن أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح قد حول الجيش اليمني النظامي الذي بناه بمعرفته لأكثر من 30 عام وبأموال دول الخليج لملكيه خاصه وأصبح حالياً بغالبه بمثابة المليشيا التي تعمل لخدمة أجندته لا لخدمة اليمن وشرعية من يرأسه خلافه! وقد أعتاد على مر السنين على توزيع جزء من عتاد الجيش الحكومي على القبائل والقوى الموالية له أو تلك التي يستغلها بتصفية حساباته مع الأخرين كما يحصل حاليا مع الحوثيين!. أذن مهمة عاصفة الحزم هو تدمير الآلة العسكرية الخارجة عن الشرعية اليمنية لما تشكله من خطر على مكونات الشعب اليمني والمنطقة وسياسياً سيتم إعادة تأهيل ما تبقى منها خليجياً متى ما عادت الى جادة الصواب وأصبحت أداة بناء لا اداة هدم في الداخل اليمني ومحيطه!.

&

كاتب في الشأن السياسي والاقتصادي