هذه المقالة نتيجة معاينة ومعايشة ميدانية لواقع عربي في عدة عواصم عربية لن أسمّيها ولن أذكر أسماء ملوكها أو رؤسائها أو أمرائها أو شيوخها أو سلاطينها، فأنا لا أقصد التشهير الشخصي بأحد بل كتابة ما تتحدث به شعوب عربية علانية وتتمنى تحقيقه رغم غرابة هذه الأمنيات كما سيراها البعض، ولكن هذه الشعوب ترى أنّ أمنياتها هذه لا تختلف عن الواقع الذي تعيشه منذ عشرات السنين. ومسبقا هل يمكن أن يتصور أحد هذا التمدد والتوسع والسيطرة الذي يحققه تنظيم داعش رغم حجم الجرائم التي يرتكبها ولن يكون آخرها تفجير مسجد في مدينة القطيف السعودية، أثبتت التحقيقات السعودية أن منفذ التفجير سعودي ينتمي لداعش، أودى بحياة عشرات المصلين في المسجد؟. وحسب ما ذكره الباحث الأمريكي "ديفيد بلوك" الذي هو من أشهر باحثي "معهد واشنطن للدراسات"، فإنّ دراسة أجراها " مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية " تظهر أنّ قرابة 40 % من الشعب الأردني لا تعتبر تنظيم داعش منظمة إرهابية رغم عملية الحرق الوحشية للطيار الأردني معاذ الكساسبة. ومواطن عربي في عاصمة عربية يعلق على أحكام إعدام جماعية لعشرات بينهم أسرى لدى الاحتلال الإسرائيلي وأشخاص موجودين في السجون، يعلق صارخا بحزن: ( والله داعش رحمة وأرحم ).

الظلم والفساد ومصادرة الحريات بيئة حاضنة لداعش
هذا التمدد والتوسع الداعشي يسهم في نجاحه هذه البيئة العربية الحاضنة للفساد وظلم الأنظمة واستبدادها، وبالتالي تتساءل نسبة من المواطنين: ما الفرق بين ما نعيش في مجالات متعددة وبين الممارسات الداعشية؟ ما الفرق بين الإعدامات وقص الرقاب الذي يتقوم به داعش والإعدامات بقص الرقاب والمشانق وإطلاق الرصاص و قطع يد السارق في عدة عواصم عربية؟. ما الفرق بين إعدام داعش لمن ينتقد خليفتها المزعوم وبين السجن لسنوات عدة لكل عربي ينتقد "الذات الملكية أو الذات الأميرية أو الذات لكل رئيس حتى لو جاء بإنقلاب عسكري؟. ما الفرق بين إعدامات داعش والإعدامات الجماعية التي يمارسها سنويا نظام عمر حسن البشير الذي يعتبر نفسه حاكما بإسم الله تعالى وكذلك خليفة داعش؟.

أيهما أرحم إعدامات داعش أم براميل وحش سوريا المتفجرة؟
أعدمت داعش مئات من معارضيها ومن يقاتلها وهذا إجرام واضح. ولكن ماذا نقول عن وحش سوريا المتشبث بالسلطة والفساد والقتل هو ووالده منذ 45 عاما، وتبشرنا زوجته التي تستعد للهروب من سوريا بأنّ زوجها الوحش سوف يحكم سوريا حتى العام 2022 ثم يخلفه نجله حافظ؟. هذا الوحش خلال أربع سنوات هجّر ما لا يقل عن خمسة ملايين سوري بين هارب ولاجىء ومهاجر، وقتل ما لا يقل عن ثلاثمائة الف سوري...كم سنة تحتاج داعش لقتل هذا العدد؟

لماذا كان يخطط للحاق بداعش؟
شاب عربي في الخامسة والعشرين من عمره ، ولد في عاصمة أوربية معروفة بديمقراطيتها العريقة، ونشأ في دور حضانتها وتعلم في مدارسها وجامعاتها. تمكنت الشرطة في تلك العاصمة من الإمساك به وهو يحاول الخروج أو الهروب وصولا للحدود السورية للحاق بداعش والانضمام لصفوف مقاتليها. سألته الشرطة: لماذا هذا التهور وترك نعيم الحياة الذي تعيش فيه؟. أجاب بصراحة: لست مؤمنا بداعش ولا معجبا بجرائمها، وكان هدفي الإلتحاق بها لدخول عاصمة عربية لقتل ما يمكنني من شرطتها لأنهم اعتقلوا إبن عمي وقتلوه في مركز الشرطة؟

لكل هذه الممارسات العربية السائدة والمنتشرة،
لن يتمكن أي تحاف عربي أو دولي من القضاء على داعش ووقف تمدد سيطرتها، فهاهي داعش تتمدد رغم مرور قرابة عام على التحالف الدولي لقتالها، وهو من دول عربية وأوربية وأمريكية تملك من الطائرات والمدافع والراجمات والصواريخ ملايين المرات أكثر من سلاح داعش، ورغم ذلك لم يتمكن هذا التحالف في وقف أي تمدد لداعش التي أصبحت تسيطر على قرابة نصف مساحة سوريا ومحافظات واسعة من العراق.

حاربوا داعش بالعدل مع شعوبكم،
عندئذ سوف تستنفر هذه الشعوب طواعية كافة قواها وحشودها لمحاربة داعش وتوعية أبنائهم بعدم الالتحاق بداعش، حفاظا على حياة العدل والمساواة والرفاهية التي يعيشونها..وبدون ذلك مع سيادة ما تعيشه الشعوب من ظلم وفساد وقتل وسجون ومصادرة للحريات، سوف يستمر تمدد داعش وجرائمها...لذلك فليتحرك حكامنا وملوكنا وأمراؤنا ورؤسانا..وإلا:
انفجروا أو موتوا
رعب أكبر من هذا سوف يجيء
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمت أو ببطون الغابات
لن ينجيكم أن تختبئوا في حجراتكم
أو تحت وسائدكم ، أو في بالوعات الحمّامات
وهذا ما تنبأ به الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور قبل ما يزيد على أربعين عاما مضت..وها نحن نعيش هذا الرعب وأكثر.
www.drabumatar.com

&