لا يمكن المرور بسهولة أو بتسامح مع مصدري البيان المشبوه الذي تمّ توزيعه في مدينة القدس ، يوم الخميس ، الخامس والعشرون من يونيو 2015& موقعا بإسم التنظيم الإرهابي " داعش " سواء أكان هذا البيان حقيقة قد صدر عن المجرمين الدواعش أو مجرمين آخرين مشبوهين استعملوا الإسم لتحقيق أهداف غير وطنية لا تخدم سوى سياسة ومنهج التهويد الذي يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، و يهدف منذ سنوات لتحقيق ما أمكن لما يسمى " تهويد القدس "، وهذا التهويد عند الاحتلال لا يعني طمس المقدسات الإسلامية وتهجير الفلسطينيين المسلمين من القدس فقط ،& بل يشمل هذا المخطط التطهيري تهجير المسيحيين الفلسطينيين الصامدين والموجودين في القدس وبيت لحم والناصرة وغالبية المدن الفلسطينية منذ ألاف السنين،& حيث أنّ فلسطين هي مهد الديانة المسيحية وفيها أشهر كنيسة مسيحية في العالم هي كنيسة القيامة. لذلك جاء هذا البيان المنسوب& للإرهابيين الدواعش، الذي تمّ توزيعه في مدينة القدس وأماكن أخرى& ليبث الرعب والخوف بين مسيحيي المدينة وعموم فلسطين، الذين وصفهم البيان المشبوه بـ "النصارى الكفرة" وأعطاهم مهلة أقصاها انتهاء شهر رمضان لإخلاء مدينة القدس والرحيل منها، أو ينتظروا القتل والذبح " مع إشراقة عيد الفطر " مهدّدا بأنّ ذبحه هذا& سيبدأ بحي شعفاط وصولاً الى البلدة القديمة وكنيسة القيامة. وعاد هؤلاء الإرهابيون لإصدار بيان ثان بنفس المضمون يوم الإثنين ، التاسع والعشرون من يونيو 2015 ، ليؤكدوا أنّ ذبحهم الإجرامي المفترض سيبدأ صباح أول أيام عيد الفطر.
خلفية البيان من ممارسات أخرى
أيا كانت الجهة التي تقف وراء إصدار هذا البيان الإرهابي، سواء أكانت داعش أم جهة أخرى استعملت إسمها، فتوجد عدة ملاحظات حول البيان وخلفيته تجعل التخوف منه أمرا واقعيا:
1 . سبق أن شهدت مدينة غزة في شهر نوفمبر 2014 توزيع بيانات تحمل إسم " داعش " تعلن أنّها ستعمل على إنهاء العلمانية والكفر في القطاع ، ثم شهدت المدينة عدة تفجيرات أمام منازل من قيادة حركة فتح تحديدا، ثم تفجير منصّة المهرجان التي كانت الحركة تنوي أن تنظمه& في الحادي عشر من نوفمبر 2014 بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقد ساد المدينة حالة ذعر بسبب أصوات الانفجارات التي حصلت أمام بيوت حوالي ستة من قيادة فتح أدّى واحد من هذه الانفجارات لتدمير سيارة وأجزاء من المنزل الذي كانت تقف أمامه. ورغم مرور قرابة تسعة شهور اليوم على هذه الانفجارات الإرهابية لم تعلن حركة حماس المسيطرة على القطاع منذ ثماني سنوات أية معلومات حول تحرياتها عن الجهة التي قامت بها، والأخطر أن " داعش " لم تنف مسؤوليتها عن هذه الإنفجارات.
2 . لقد سبق ل " داعش " أن قامت بأعمال قتل وتهجير موجهة ضد الطائفة الإيزيدية في مدينة الموصل العراقية أثناء سيطرة الدواعش عليها ، ونتج عن هذا الإرهاب قتل ما لا يقل عن 500 من الطائفة ونزوح وتهجير قرابة 20 ألفا منهم، كما تمّ سبي المئات من نسائهم، قام الإرهابيون بتوزيعهن قصرا على بعضهم أو بيعهن علانية مقابل دولارات قليلة. كما طال هذا الإرهاب مسيحيي المدينة حيث تمّ الاعتداء على بعض الكنائس وإنزال الصليب من على مداخلها، كما تمّ في إبريل 2013 خطف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي قرب حلب ليفرج عنهما بعد أيام قليلة، وأيضا لم تعلن داعش عن مسؤوليتها أو تنفيها.
3 . من الملفت للنظر أنّ البيانين اللذين يحملان اسم داعش ، الخاصين بتهديد مسيحيي القدس وإنذارهم بمغادرة المدينة قبل نهاية شهر رمضان، لم يصدر عن داعش نفي للبيانين أو إنكار لما ورد فيهما. وهذا يستدعي سؤالا مهما:
من المستفيد من هذه التهديدات لمسيحيي القدس؟
الموضوعية والمنطق يستدعيان القول بأنّه بناءا على ممارسات داعش في مدينة الموصل العراقية ومحيطها ضد الإيزيديين والمسيحيين التي ذكرناها، يحق للبعض ضمن هذا القياس وكون البيانيين يحملان إسم داعش أن يعتبروها الجهة الإرهابية التي أصدرت هذين البيانين. ولكن وقائع ميدانية حصلت في فلسطين المحتلة قبل إسبوع فقط من إصدار هذين البيانين يجعل الاحتمال الأول المتعلق بمسؤولية داعش يتهاوى ، وهذا ما أشار له سيادة بطرك اللاتين السابق في القدس المحتلة " ميشيل صباح " حيث علّق على هذين البيانين المشبوهين قائلا: " إذا كان هذا تهديدا حقيقيا من قبل من يريدون تسميتهم ب " تنظيم الدولة الإسلامية، داعش " فأهلا و سهلا..نحن باقون على أرضنا ولا نخاف ولا نريد حماية من أحد...أمّا إذا كان البيان قصده التغطية على العمل الإجرامي في " الطابغة " فهو كلام مردود على من ورائه من جهات كانت من تكون ".
ما هي " الطابغة " وماذا حدث فيها ومتى؟
يوم الخميس الموافق الثامن عشر من يونيو 2015 أي إسبوع قبل صدور البيان الأول المنسوب لداعش، إندلع حريق ضخم في كنيسة " الطابغة " الأثرية في مدينة طبريا مما أدى لأضرار جسيمة في الكنيسة وإصابة البعض من بينهم سائحة ألمانية متطوعة في الكنيسة وأحد المواطنين العاملين في الكنيسة، وتمّ نقلهما لمستشفي مدينة صفد. وبإعتراف شرطة الإحتلال الإسرائيلي فإنّه قد وجدت شعارات مكتوبة باللغة العبرية على جدران الكنيسة قبل اندلاع الحريق مضمونها يحارب الديانة الوثنية ويحرّض على قطع العبادة الوثنية حسب رأي ومفهوم كاتبي الشعارات. وبالتالي و حسب تأكيدات الناطق بإسم سلطة الإطفاء " كايد ظاهر " فإنّ هذه الشعارات تؤكد أنّ الحريق متعمد. وهذا ما أكّده أيضا عضو الكنيست الدكتور " باسل غطاس " الذي شارك في إسطول الحرية الثالث ، إذ قال بعد إندلاع الحريق : " الفعل الإجرامي للجماعة الإرهابية اليهودية الدينية لا يفرق بين الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين، والتعصب الديني يثبت أنّه لا يولد سوى العنف والإرهاب والحروب. عصابات تدفيع الثمن تنمو و تقوى بسبب الفشل المدوي لأجهزة الشرطة والأمن حتى الآن في الكشف عنهم وتقديمهم للمحاكمة ". وهنا سؤال ينبع من ممارسات الإحتلال: هل هو فشل أمني أم تغاض عن هذه الممارسات لخدمة أجندة وسياسة التهويد في القدس تحديدا؟. ويكفي ذكر ما جاء في بيان " اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي " إذ ورد فيه: " الإعتداءات على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، أصبحت في السنوات الأخيرة ظاهرة تتكرّر، وقد يشجعها على تكرار أعمالها تجاهل الشرطة وقوات الأمن، وموقف الحكومة وسكوتها ". وللتذكير ضمن سياق تجاهل الشرطة وسكوت حكومة الاحتلال على هذه الممارسات فإن نفس كنيسة " الطابغة " كانت قد تعرضت في أبريل 214 لهجوم من مجموعة من الشباب اليهود المتطرفين، ألحقوا أضرار وتحطيما بالصلبان وهاجموا رجال الدين في الكنيسة، وفي نهاية فبراير 2014 تمّ إحراق مبنى تابع للكنيسة الأرثوذكسية قرب القدس القديمة، وترافق ذلك مع هجمات متعددة من متطرفين يهود، استهدفت كنائس ومساجد في الضفة الغربية.
وأيا كان المصدر فمسيحيو فلسطين صامدون لا يخافون،
فهذه أرضهم ووطنهم الذي شهد ولادة الديانة المسيحية التي انتشرت في كافة أنحاء العالم ليصبح معتنقوها اليوم أكثر من مليارين وربع أي قرابة 33 % من سكان العالم. ومن في االعالم لا يسمع عن أويعرف أو زار كنيسة القيامة في القدس القديمة، أو كنيسة المهد في مدينة بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح؟. لذلك يعلن سيادة المطران "عطا الله حنا " رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس ب " أنّ المنشور المنسوب لمنظمة الدولة الإسلامية الظلامية الإرهابية...إنما هو منشور مشبوه ومسيء وخطير..لا نعرف الجهة التي تقف وراء هذا المنشور التي قد تكون جهة عميلة أو دخيلة أو مشبوهة هادفة إلى إثارة الفتن والنعرات بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد .....ونقول لمن قام بكتابة وتوزيع المنشور بأنّ المسيحيين سيبقون في هذه الديار وخاصة مدينة القدس، ولن يرحلوا عن مدينتهم ولن يتنازلوا عن انتمائهم لهذه الأرض ودفاعهم عن مقدساتهم وبعدها الروحي والوطني ".
مسيحيون و مسلمون صامدون معا،
من أجل الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم المسيحية والإسلامية في وجه كافة الدواعش أيا كانت هوياتهم وخلفياتهم، وفي حالة هذا البيان الذي يهدّد مسيحييي وطننا مهد السيد المسيح ، لا يمكن بسهولة إزالة الشبهة عن عملاء الإحتلال الإسرائيلي رغم كل جرائم داعش المشابهة. إذ هل يعقل أنّ سلطات الإحتلال عاجزة عن كشف المجرمين مرتكبي هذه الحوادث المتكررة بإستمرار دون أن يتم مرة واحدة الكشف عن مرتكبيها ومحاكمتهم ليكونوا عبرة لغيرهم؟. صامدون معا..نتحدى معا بإسم السيد المسيح عليه السلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلّم& كل هؤلاء الإرهابيين ، وستبقى كنيسة المهد وكنيسة القيامة وكل كنائس فلسطين، والمسجد الأقصى وكل مساجد فلسطين صامدة متحدية كل الإرهابيين بفضل تضامننا مسيحيين وفلسطينيين، حيث لم يعرف وطن السيد المسيح مهد الديانة المسيحية أية فتنة طائفية عبر تاريخه.
www.drabumatar.com
&
التعليقات