كان أحد العفرينيين* مُغرماً بالماركسية إلى حدود التماهي بل ومن فرط اندماجه معها كان يُحيك أقوالاً من لدنه وينسبها الى لينين أو ماركس من دون علم المحيطين بذلك، بما أن الذين كان يطرح أمامهم أقواله لم يكونوا ممن لهم اطلاع بكل ما جادت بها قرائح رواد المدرسة الاشتراكية في العالم، ولزيادة المبالغة في حب الماركسية كان العفريني* بحاجة ماسة في كل جلسة الى عدوٍ رأسمالي حتى يُصفعه بالأقوال المستلة من جعبته، ومن باب المبادرة كان يرمي بالشذرات الماركسية على الحصيرة في أي محفل يجمعه بسواه من أبناء المنطقة، من دون أن يعترض على قوله أحد، بل وكانوا يحسسونه بالأهمية لأنه يقول ما لا يجيدون قوله، ومنبهرون بقدرته على حفظ التراث الماركسي من دون أن يكلفه بذلك أحد، وفي إحدى المرات وكعادته رمى بجملة في حضرة بعضهم ونسبها لماركس، ومن سوء حظه أن أحد الحاضرين كان ذا اطلاع واسع على الفلسفة الماركسية، فسأله كيف وأين ومتى قالها ماركس؟ فتلبك الرجل الذي لم يحرجه أحد من قبل بكل ما يرميه في وجوه الناس، وقال متململاً هو لازم يكون ماركس هو الذي قالها!.

ويبدو أن هذا هو حال الكثير من الكتاب والمثقفين والنشطاء المحسوبين على المعارضة السورية، فلم يصدق الواحد نفسه كيف وقع بين يديه النبأ المزعوم عن التطهير العرقي بحق العرب في مدينة تل أبيض حتى راح واحدهم يؤلف القصص والحكايا ويرمي الأقوال كيفما اتفق، باعتبار أن الخبر كان بمثابة الهبة من السماء حتى يُعبر من خلاله كل ما كان قد كتمه لعشرات السنين، ومن خلاله يُدلق كل قيحه العنصري عبر وسائل الإعلام، ومن خصوبة الخيال لدى هكذا نماذج من الكتاب راح السيد ماجد حسن يقول بأن سبب طرد الأهالي العرب من منازلهم وقراهم هو من اجل توطين 6000كردي من عين العرب و2700من رأس العين، فالسيد حسن لو لم تدفعه نواياه المبطنة لما لفق واختلق من عنده الارقام أيضاً في مقالته المنشورة بتاريخ 2015/06/17في كلنا شركاء، بل ومن باب التذاكي قام كاتب المقالة باستخدام الأرقام لعله يوهم الناس بمصداقية افتراءاته، فإذا أهل كوباني غير قادرين على العودة الى منازلهم بسبب ظروف الحياة الصعبة في كوباني فكيف بهم التوجه الى تل ابيض يا سيد حسن؟ ومن حماسة البوح يورد السيد حسن تناقضاً صارخاً في نفس الفقرة حيث يقول بأن قوات الحماية الشعبية تلاحق كل من كان ينتسب للجيش الحر أو الكتائب الإسلامية، وهو نفسه يقول في تلك الفقرة بأن أكثر من 50% من القوات التي هاجمت تل ابيض وعملت على تحريرها هي من عناصر الجيش الحر المنضوية تحت غرفة عمليات “بركان الفرات!

أما السيد بسام جعارة وبالرغم من عدم إيراده لأي دليلٍ يثبت ادعاءاته بقصة التطهير العرقي إلا أنه لا يزال مستمراً ربما خجلاً من أن يخفض من وتيرة صوته المتعالي حتى لا يشعر بهزيمته أمام الرأي العام، ولا يزال مستمرا بنفس الطريقة الصاخبة عبر اطلالاته على كل من قناتي أورينت والجزيرة، بالرغم من أن مراسل قناة الجزيرة قدم تقريره من قلب تل أبيض ولم يتحدث عن اي شيء مما يروج له جعارة، لأنه ربما إذا ما خفض من سقف اتهاماته فقد يخسر ظهوره من على تلك القنوات، أما السيد محمود السيد الدغيم وبالرغم من أن آرا نيوز قدمت عدة تقارير بالصوت والصورة تؤكد بأن الاهالي كانوا ينزحون عن بيوتهم بسبب اشتداد المعارك، من خلال اجراء المقابلات مع النازحين ومن يعودون الى ديارهم، إلا أنه مصر على القول بأنه لا يوجد أسر عربية تعود مرة أخرى إلى تل أبيض، ويحاول البحث عما يؤكد مبتغاه من أن هناك مئات الأسر ما زالت تفر من تل أبيض؛ لأن وحدات الدفاع الكردية حسب قوله تعتقل الشباب العرب من سن 14 سنة وحتى 60 عاما، فهذا الدكتور الذي أظهر كل قيحه من خلال كيل الاتهامات والشتائم في بداية الهيصة لم يعد يستطيع التراجع عن آرائه، لذا يحاول وبشتى الوسائل إثبات التهمة على تلك الجهة لعل التهمة تنقذه من خيبته، لأن الكلام الذي لفظ به الدغيم نال من مكانته كشخص مسؤول عن كلامه وملفوظاته.&

وأمام هذه الاشكالية التي وقع فيها الكثير من الكتاب والمثقفين فبدا بأن في دخيلة كل واحد من هؤلاء بُغضٌ جاهز ولكنه كان بحاجه الى مُحرض لتفجيره وظهوره على السطح، لذا جاءهم الخبر على طبق من ذهب، لذلك وبدون أي دليلٍ ملموس أو مصوّر راحوا يلصقون الاتهامات بتلك الجهة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وذلك إرضاءً لما يستبطنونه بخصوص الكرد ككل وليس بما يتعلق بالحزب المذكور، وتبين بأن هبتهم لم تكن للوقوف مع المجني عليه أو قول الحق أو الحقيقة، لأن دوافعهم كانت قائمة على النيل من الآخر لا أكثر ولا اقل، وإلا فلماذا تلك الأصوات لم تنبس ببنت شفة عندما هَجّرت الفصائل الاسلامية مما يقارب العامين الكرد من تل أبيض وتل عرن وتل حاصل، حيث دخلت قوات عربية اسلامية إلى تل أبيض ونادت إلى الكرد من الجوامع أن اخرجوا من تل أبيض وإلا فإن نساءهم سبايا لهم، وكذلك يقول الشاعر مروان خورشيد بأنه في نهاية ٢٠١٢ غزت ٤٨ كتيبة عربية إسلامية مدينة رأس العين سري كانيه وهرب أهلها إلى تركيا والمناطق الكردية الأخرى، وفي كلتا الحالتين لم يقل الكرد أن هناك تهجيراً قسرياً ضدهم، ولم يقولوا أن العرب قاموا بتطهير عرقي ضد الكرد، على الرغم من أن القوات الغازية كانت عربية وبنفحة إسلامية، والضحايا كانوا من الكرد أضعافاً مما يدعى الأن بأن الكرد يهجرون العرب.

والشيء الذي غاب عن أغلب المتنطعين هو نسيانهم بأن قوات التحالف الدولي تنسق مع تلك الوحدات على الأرض خطوة بخطوة، وهل تقبل قوات التحالف بأن يقوم شريكهم على الارض بممارسة ما يخالف الاصول والأعراف الدولية المتعارف عليها في الحروب؟ وعلى النقيض من ذلك بدأ مسلسل الاتهامات من دون العودة الى بيانات قوات التحالف الدولي بدعوى أن ما تناوله النشطاء التابعين للدواعش هو الحق بعينه، ويبدو بأن الحق والحقيقة هما فقط طوع افرازات أيديولوجيا العداوة لدى النشطاء والساسة وبعض المثقفين، باعتبار أن واحدهم تعود في ظل نظام البعث أن لا يستطيع العيش بدون عدو سواءً كان حقيقياً أو مفترضاً.

لذا فهم في كل مرحلة بحاجة الى عدو جديد حتى يتخلصوا بناءً على ذلك العدو من طاقاتهم القميئىة، فمعلومٌ أنه ولعشرات السنين ظلت هكذا نخبة تضخ المواد التي تحض على العداوة لإسرائيل العدو الدائم والازلي، ومعها الحركة الصهيونية العالمية، وبجانبها الولايات المتحدة الامريكية، وفي مرحلةٍ ما كانت تركيا هي الجار الطاغي، ومن ثم ظهر العدو اللانهائي الحديث أي دولة ايران، مع أنها حتى الأمس القريب كانت الصديق السرمدي، واليوم العدو الجديد لهذا الرهط من الناس هو الكردي، لأنه على ما يبدو بأن الشخص الغير السوي وذلك سواءً أكان من النخبة أو الدهماء هو لا يستطيع أن يعيش من دون أوهام، ولا يحافظ على توازنه الايديولوجي إلا بوجود العدو الحقيقي أو المفترض، لعلّ ذلك العدو يقوم بالتخفيف عن فشله في الحياة السياسية وربما الفكرية وربما تمتد فوائد العداوة الى الجانب الاجتماعي أيضاً، وإلا فعلى من سيرمي تبعات اخفاقاته المتواصلة، والأهم في وجود العدو أن يساعده على البوح بكل مكامنه وما يخفيه بين جنباته من ترسانة الشتائم والكراهية.

لذا فحتى وإن لم يكن ثمة عدو واضح الملامح فيرى واحدهم في دخيلة نفسه بضرورة العمل على صنع أو خلق عدو جديد، حتى يتحسس هو الأخر وجوده من خلاله، ولكي يتجدد هو بنفسه مع العدو المختلق، وذلك خوفاً من أن يغدو مع الأيام مستحاثة من المستحاثات الأيديولوجية في الشرق.&

ــــــــ

عفرين: منطقة كردية تقع في أقصى شمال سوريا وهي تابعة لمحافظة حلب.&