أصدر "الائتلاف الوطني السوري"، مؤخرا، بيانا يهاجم فيه حزب الاتحاد الديمقراطي وتجربة مقاطعات الإدارية الذاتية، زاعما، هذه المرة، بارتكاب وحدات حماية الشعب(YPG) ل"انتهاكات بحق المواطنين العرب"!. طبعا هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها "الائتلاف" هذا الحزب و المقاطعات والقوات التي تدافع عن جميع مكوناتها، فقد تعودنا على بيانات "الائتلاف" التي تحارب هذه التجربة، وتتفنن في تشويهها، وتحريض أهلها ضد بعضهم البعض، والملفت بان بيانات "الائتلاف"(وهل بتنا نرى من هذا "الائتلاف" سوى البيانات؟) تتناغم مع هجمات المتطرفين، وتتصدر كل ما مٌنّي هؤلاء بهزيمة جديدة!

حقد "الائتلاف" على الكرد وشركائهم العرب والسريان في مقاطعات الجزيرة وعفرين وكوباني له عدة أسباب، لعل من أبرزها تمكن هذه المكونات من بناء إدارة ذاتية قادرة على متابعة تسيير شؤون أبنائها والدفاع عنهم، وأيضا احتضان مئات الآلاف من المواطنين السوريين الفارين من الحرب الأهلية في داخل البلاد. الآن وبعد الانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب(YPG) ضد تنظيمي "داعش" و"النصرة" الإرهابيين، والمجموعات الجهادية الأخرى (التي يتذلل لها "الائتلاف" لتقبله ممثلا سياسيا)، بات العالم كله يحترم هذه الوحدات وهذه التجربة. لقد شاهدنا كيف يستقبل الرئيس الفرنسي مسؤولي المقاطعات، وتزور الشخصيات الأوروبية المهمة المقاطعات للاطلاع على هذه التجربة الواعدة والتي تسبح نحو بر الأمان في بحر الدم السوري المسفوك. وفي نفس السياق، يواصل التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التنسيق العسكري مع وحدات حماية الشعب(YPG) بغية تحرير بقية مناطق مقاطعة الجزيرة وانتزاع تل أبيض من "داعش"، والربط بين مقاطعتي الجزيرة وكوباني. وهذا اذا ما حصل، فستتحرر منطقة كبيرة من الوطن السوري، وسيديرها أهلها بعيدا عن "الائتلاف" المرتبط مع المحاور الأقليمية، والذي بات يشكل خطرا على الوطن السوري، مثله مثل الكتائب والمجاميع الجهادية. وطبعا لن يكون ل"الائتلاف" أي وجود في هذه المناطق ( وهو الذي ما يزال لا يملك قرية "محررة" يقيم عليها "حكومته" الفشنك!)، إلا في حالة واحدة وهي الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب السوري، وفك ارتباطه مع "جبهة النصرة"، الفرع السوري لتنظيم "القاعدة"، ومغادرة الأراضي التركية، سيما وأن حليفه حزب العدالة والتنمية قد مني بخسارة فادحة في الانتخابات الأخيرة، وبات يبحث عن من يخلصه من الورطة التي تنتظره!.

مقاطعة الجزيرة/الحسكة تمثل عصب الاقتصاد السوري، ففيها الزراعة والنفط، وهي ثالث أكبر محافظة سورية، وسادسها من حيث نسبة السكان. وقد اتفقت مكونات المقاطعة على تشكيل حكومة محلية (قائمة على مبادئ أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية التي وضعها الزعيم والمفكر الكردي الأممي عبد الله أوجلان)، وبناء مؤسسات تمثيلية لمليء الفراغ الحاصل نتيجة انسحاب النظام السوري وتداعي مؤسساته ومنظمته الدفاعية والأمنية. وتم بناء وحدات حماية الشعب(YPG) التي تضم الآن الآلاف من الشباب العربي والسرياني/الآشوري، حيث باتت هوية خاصة تنمو حاليا هي "الهوية الجزراوية" السورية، وهي هوية وطنية تحمي أرضها من "داعش" وترفض التدخل الخارجي وبيع سوريا للمحاور الإقليمية الطائفية. تلك "البيعة/البازار" التي يتزعمها "الائتلاف" والقائمين عليه، ومنهم بعض الضالين من أبناء مقاطعة الجزيرة. ومؤخرا، ومع هجوم "داعش" على مدينة الحسكة وريف سري كانيه/رأس العين، أبدت العديد من العشائر العربية رغبتها في المشاركة في مؤسسات المقاطعة والدفاع عنها. الآن عشائر الجبور،&البكارة، حرب، عدوان، الغراجنة بدأت في الانخراط في مؤسسات المقاطعة وإرسال شبابها لصفوف وحدات حماية الشعب(YPG) للدفاع عن أرض المقاطعة في وجه الإرهابيين في "داعش" وغيرها. وحتى الآن هناك مئات الشهداء من أبناء المكون العربي من الذين سقطوا دفاعا عن أرض المقاطعة وحياة جميع مواطنيها.

أكثر ما يغيض "الائتلاف" هو اتفاق العرب والكرد في مقاطعة الجزيرة. فهو يرغب من خلال بياناته الفارغة بث الفتنة على ذلك يتسبب باقتتال عرقي بين المكونين، وهذا لن يحصل لأن أهل الجزيرة يعرفون هذا "الائتلاف" والقائمين عليه نفرا نفرا، ويعتبرونهم مجرد مرتزقة يعملون لدى المحاور الطائفية الإقليمية. ومن يتابع بيانات "الائتلاف" سيلاحظ بأنه لم يدن أي من جرائم "داعش" و"النصرة" بحق أهل الجزيرة، ولا العمليات الانتحارية ولا التفجيرات، بل على العكس، فهو يحاول التغطية سياسيا على جرائم "داعش"، عبر تشويه سمعة القوات التي تقاتلها وتلحق بها الهزيمة، وعبر خلق مسائل جانبية وبث الفتنة، لفك التكاتف العربي/الكردي، وخلخلة الصفوف لتمكين "داعش" من احتلال المقاطعة والتنكيل بأهلها وقتلهم، كما تفعل الآن في محافظتي دير الزور والرقة. وقد فند المواطنون العرب مزاعم "الائتلاف"، وعبروا عن شكرهم لوحدات حماية الشعب(YPG) التي قدمت عشرات الشهداء لتحرير قراهم في تل حميس وتل براك وجبل عبد العزيز وتل تمر ورأس العين. كما رد الشيخ حميدي دهام الهادي الجربا، الحاكم المشترك للمقاطعة، وعدد آخر من المسؤولين العرب في الحكومة المحلية وشيوخ العشائر، على بيان "الائتلاف" وفندوه جملة وتفصيلا. كما أن التحالف الدولي لم يعر هذا البيان أي اهتمام لمعرفته بعدم مصداقيته، وتابع التنسيق على مدار الساعة مع وحدات حماية الشعب(YPG) لمحاربة تنظيم "داعش" المجرم.

حزب العدالة والتنمية، داعم وراعي المجموعات المتطرفة، وداعم وراعي "الائتلاف"، مني بهزيمة منكرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو لن يستطيع تشكيل الحكومة لوحده، وخصومه يهددونه بالمحاكمة بتهمة تعريض مصالح تركيا للخطر عبر دعم وتسليح الإرهاب في سوريا (قد تطال المحاكمة بعض رموز "الائتلاف" من المتورطين في صفقات شحن الأسلحة وسرقة أموال إغاثة اللاجئين). وفي أفضل الأحوال لن يتمكن حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان من مواصلة سياستهم السابقة في تخريب الوطن السوري وإرسال الجهاديين وشحنات الأسلحة المخبأة في سيارات وقاطرات الأطعمة والمواد الزراعية، كما كانت الحال عليه في السابق.

الرد على "الائتلاف" المهلهل الآيل للسقوط، هو بمزيد من التلاحم بين مكونات مقاطعات الجزيرة وعفرين وكوباني، والدفاع، سوّية، عن هذه الإدارة الذاتية التي تحتضن كل أبناء الشعب السوري، بغض النظر عن العرق والدين والطائفة، والمضي قدما في التنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، وتمتين التجربة الديمقراطية، وإظهار المزيد من الانفتاح والشفافية. وأخيرا وبمناسبة انتصار حزب الشعوب الديمقراطية على حزب أردوغان، ربما كان من المفيد إصدار قرار عفو مشروط عن أبناء مقاطعة الجزيرة من أعضاء "الائتلاف"، على أن يعتذروا عما سلف منهم في حق الشعب والوطن السوريين. سفينة "الائتلاف" تغرق الآن، ولا ضير من مد طوق النجاة لبعض العاقين من أبناء مقاطعة الجزيرة، علّ المعروف ينفع معهم، ويعودوا إلى شعبهم تائبين.