لا يعينني من أقصي وذهب بدون رجعة إلى الواجهة السياسية في قيادة العراق، ولا يعنيني مطلقاً الأصوات النشاز التي ارادت أن تخطف صوت الجماهير لصالحها وتدويرها في بنك السفالة الذي يخضع لسوق النخاسة والسرقة والتلاعب بمصائر الناس إنها صرخة من أعماق الحقوق المسلوبة صرخة صميمية لا تقف خلفها أي جهة سياسية أو حزبية يمكن من خلالها اعتبار التظاهرات مسيّسة أو مدفوعة، لأن كل الهتافات التي هتف بها ثوار انتفاضة الكهرباء، كفيلة برد الادعاءات الكاذبة التي ظهرت هنا وهناك.

إذ يعنيني أن التغير قادم والخطوة تبدأ بحلم، والحلم سيكبر حتى يغدو سرمدياً ووردياً في العراق، الذي نهب وسرق منذ اثني عشر عاماً، يعنيني أن الفقراء استفاقوا ليطيحوا بالفاسدين الذين مرغوا بالوحل تاريخ وحضارة شعب وبلد تمتد جذوره في أعماق التاريخ الإنساني.

وخطوات أو بالأحرى قرارات السيد العبادي الأخيرة، هي ضوء في نهاية نفق مرعب وكابوس عشنا مأساته وأحزانه وأوجاعه في كل مفصل من مفاصل حياة البائسين والمحطمين الذين ساقتهم الأقدار إلى حتفهم وقدرهم الذي فرض عليهم بعصا الطاعة للأحزاب الدينية التي تسلطت بكل عقائدها المنحرفة فاستغلت مشاعر الناس للركوب فوق جبهات المصلين أهات وألآم، مقابلها سرقات واختلاسات في وضح النهار، لقد خرج الناس بهذه العفوية بعدما انفلت الصبر من عقاله فكانت هذه التظاهرات التي لم تخرج بطراً أو حقداً، بل لمطالب خدمية تصب في مصلحة المواطنين، وتصحيح مسار العملية السياسة المترهلة والفاقدة لشرعيتها، هي أصوات أدركت أن حريتها وحقوقها لا يجلبها الصمت والسكوت، بل بالدماء والتضحيات فتأخذها عناداً، فالشعب هو مصدر السلطات ومبدأ دستوري مستقر، فالشعب هو من يمنح السلطة عن طريق الانتخاب لكل من السلطة التنفيذية والتشريعية، وبهذا الدستور يمنح الشعب سلطة تحقيق العدالة للنظام القضائي بكافة مكوناته من تحقيق واتهام ودفاع وفحص فني وحكم وتنفيذ.القرار والتشريع،فكم من حكومات سقطت واندثرت، وكم من طغاة انزاحوا عن وجه بغداد الجميلة، حاضرة العرب وعيون الأدب والشعر والثورة.

اليوم على الجميع الوقوف مع السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر ألعبادي، نعم وان كانت قراراته الأخيرة تحتاج إلى قرار أخر يضرب به بيد من حديد هو طلب الإسراع في تقديم قائمة مطولة بأسماء المتهمين بالفساد لتقديمها إلى القضاء و إجراءات المنع من السفر و الحجز على أموالهم و توقيفهم فوراً، إنها العدالة يا سيدي، فالإسراع و الجدية في مكافحة الفساد و إجراء خطة شاملة للإصلاحات في البلاد والعباد، تضمن أن يكتب لك التاريخ بمداد من ذهب.

وهذه ملفات الجرم والعار، التي يجب أن توضع فوق طاولة القضاء، ملف عقود الكهرباء السابقة، ملف صفقة السلاح الروسي، ملف شراء أجهزة كشف المتفجرات، ملف ميزانية عام 2014، ملف سندات الأراضي الوهمية التي وزعت على المواطنين، ملف 50 ألف عنصر فضائي في الجيش العراقي، ملف سقوط الموصل ودخول الدواعش واستباحة المدن والعرض، والكثير من الملفات المفتوحة، وبالذات ملف من هربوا

إلى بلدان العالم حاملين السحت الحرام، وبالتأكيد فان أسماءهم وعناوينهم مدونة، فلا يمكن أن يفلت من قبضة الشعب من كان فاسداً ملوثاً.

نعم الوقت ما زال مبكراً في الحكم على هذه القرارات ومدى جدية تنفيذها، وفي الوقت نفسه، ولكي نديم المعركة ضد داعش هذا الفصيل الإرهابي المتوحش، نحتاج إلى ركن كل خلافتنا المصطنعة التي تزيد التشاحن والبغضاء وتمزق النسيج الاجتماعي العراقي المعروف بوحدته وصلابته، بعد أن أثبتت التظاهرات المليونية في بغداد والمحافظات زيف السياسيين، الذين حاولوا مرات ومرات من تمزيقه، حتى نفكر بالمطالب جيداً لكن بثوب وطني محض، لا مجال فيه للنزعات السياسية الاستحواذية.

أخيراً لن يكون الطريق سالكاً إلا بوحدتنا.