ماذا يعني أن يقوم حيدر العبادي بانقلاب، على من بالضبط، ومن يحمي هذا الانقلاب؟!
اسئلة واخرى على هامش الدعوة للاستفادة من حراك الشارع ودعم المرجعية الدينية له، والقيام بانقلاب لإجراء تغييرات جذرية في العملية السياسية.
اذا كان المقصود أن يقوم الجيش بذلك، فنصفه في ساحات القتال ضد داعش. ثم ماذا يفعل مع أمراء كل منهم يمتلك جماعة مسلحة؟!.
الانقلاب في ظل انتشار سلاح يكتسب مشروعيته من مواجهة داعش، فكرة طوباوية. وإطاحة مجلس النواب مشروع وراءه دوافع نظام رئاسي مستبد، تحركها اجندات نعرفها جيدا، فالمطلوب تقليص استحقاقات المجلس المالية وقيامه بعمل أكبر وتقليل عدد أعضائه كي لا يبقى بالترهل الذي هو عليه. المشكلة الرئيسية في البلاد تخلقها الزعامات التي تضخمت الى حد أنها باتت أكبر من النظام والعملية السياسية بل والعراق.
المرجع السيد السيستاني ضد الفساد، ويدعم التظاهرات، هذا شي عظيم، لكن السؤال هل تقف المرجعية مع أي ملاحقة حتى لو كانت على زعيم قريب منها؟. هل ستقف معه ضد قيادات تتزعم قتلة يرتكبون جرائمهم في وضح النهار، على أساس المعتقد أو السلوك او دفاعاً عن صفقة فاسدة في دائرة صغيرة أو كبيرة من دوائر الدولة؟! طيب، ماذا عن الجماعات التي تقف وراءهم طهران أو واشنطن أو انقرة... مالحل معهم؟! ماذا عن امراء صغار وكبار آخرين؟!
ماذا لو تخلت المرجعية في لحظة من الاختلاف بالتوجهات مع رئيس الحكم، أين سيقف الشارع عندها؟!
الشارع سيدعم العبادي او غيره، شيء عظيم، ولنسأل كيف يقف الشارع معه بالضبط، هل سينزل بالسلاح ليقاتل؟!
اضمنوا حراك الشارع في البدء، واجعلوا اي صاحب مبادرة أن يثق بأن خلفه اصرارا وليس هبّة. ما حدث الجمعة شيء عظيم، عظيم جدا، لكن لا يكفي، يحتاج الأمر الى تراكم في حراك الشارع. المجتمع المعقد بانتماءاته وولاءاته في البداية هو المعني بصناعة الثقة، حتى يدفع اي شخص له مبادرة طيبة أن يتحرك بلا تردد. فالصولة هذه المرة ليست في مدينة واحدة، ولا ضد جهة معينة، إنما ضد اعمدة العملية السياسية، وكل منها له عاصمة اقليمية تدافع عنه.
أرجو أن نهدأ بعيداً عن انفعالات شعرية تسبب خيبة أمل. نحن أمام ركام من الكوارث جذورها تخنق رقابنا. ولنفكر بحماية الاحتجاج قبل كل شيء من أن يصبح ضمن أجندة هذا أو ذاك في إطار صراع شيعي ـ شيعي مفتوح على كل الاحتمالات. والعبادي جزء من المنظومة السياسية القائمة منذ 12 سنة، ليس غريباً عنها. ولا ندري إن كان يمتلك الإرادة المجردة من نزعات سلفه، ضد الشركاء. والمرجعية لديها أيضا تصوراتها الخاصة، ليس بالضرورة أن تكون هي ذات التصورات الباحثة عن بناء دولة حديثة وقوية، لأننا نعرف أن قوة الدولة تعني بالضرورة تحجيم دور المؤسسة الدينية في الحياة السياسية، عاجلاً أم آجلا.
فماذا بعد؟!
لم تضع العملية السياسية حصانة، غير الطائفية، حماية لها حين تشتد الأمور. والتحدي الان أن الامور آخذة بالاتساع، وإن توقفت مؤقتا يمكن أن تعود أشد وأكثر شراسة. فالخوف فعلي من انتقال الاحتجاج الى فعل ثوري، تستغله جماعات سياسية او مسلحة لصالحها، أو يؤدي الى انفلات يفجر السلاح المنتشر في كل مكان. والاصلاحات وسط صعود مافيا النهب وتجذرها ليست ذات قيمة. ولمنع حصول هذا الفعل هناك خيار واحد، ليس انقلابا عسكرياً، لأن أي شخص لا يمتلك القوة الكافية للقيام بذلك، الا بدعم امريكي يحظى بمباركة ايرانية أو العكس، وحتى مع الدعم ستكون الدماء مباحة.. الخيار هو أن تكون الأحزاب ذكية، وهنا أقصد القواعد السياسية للزعامات، بأن تضغط لحماية وجودها على الاقل، أو لحماية بعض مصالحها حين تكون كل المصالح مهددة اذا ما قدر واشتعلت مقادير البلد بحراك ثوري عنيف.
هذه القواعد، من نواب واعضاء أحزاب، مطالبة بالضغط على قياداتها وتهديدها بشكل فعلي قبل أن تنتقل النار الى كل شيء في لحظة غضب يائسة. خصوصا وأن الزعيم، سيهرب ليترك من هم أقل للمصير، فماذا يمتلك من هم أقل أمام شيء لا يطاق؟ّ.
إن لم تتنازل الاحزاب عن نصف مصالحها غير المشروعة على الاقل، فلن يكون هناك أمل سوى بحصول الثورة، أي مواجهة المر بما هو مر.
&
التعليقات