نشرنا الكثير عن تركيا اردوغان، ولاسيما منذ مطلع ما سمي ربيعاً عربياً. ففي ذلك الوقت كانت دعاية إدارة أوباما تنشر ان حزب العدالة والتنمية التركي هو نموذج الاعتدال الإسلامي، وان إخوان مصر وغيرهم يتقدون بحزب اردوغان، وهم ايضاً نموذج الاعتدال... قلنا في حينه إن اردوغان ليس هو من اقام النظام التركي بما فيه من حريات، وانما كمال اتاتورك، الذي فجر ثورة تحديثية باتجاه الديمقراطية العلمانية. اما حزب اردوغان ، ومنذ اخذ السلطة فعل العكس، راح ينخر ويهدم في تجربة اتاتورك وعلمانيتها، وسار بدهاء وتدريجياً نحو اسلمة المجتمع والجامعات، وهمش الجيش وتسرب للقضاء. بدلاً من تطوير التجربة الكمالية وتصحيح ثغراتها ولاسيما استعمال القسر في فرض التحديث والعداء مع حقوق القومية الكردية، التي تمثل 15 مليون نسمة، وهي نسبة اعلى من نسب اعداد الاكراد في الدول المجاورة. الى جانب كل هذا، فان ظروف الوضع التركي ليست ظروف تونس ومصر وغيرها، سوى ملاقاة اخوان هذه الدول جميعا مع اخوان تركيا في رفض العلمانية، ومعاداة الديمقراطية، مع استخدام المناورة والتقية .. وذلك بدخول الانتخابات، وحين النجاح، يعملون على التحكم المطلق واجتثاث الاخرين. كما حاولت سلطة مرسي فأطاح بها الشعب مع اسناد الجيش.
وعندما بدأت قبل ثلاث سنوات اتصالات الحكم التركي بزعيم حزب العمال، السجين عبد الله اوجلان، ودعا الأخير حزبه الى العمل السلمي وترك العمل المسلح، كتبنا مقالات أخرى مؤيدين مع الحذر، داعين الاكراد الى مواصلة الحوار، او الى اليقظة.
وقد كتبنا ان طريق الكفاح الكردي المسلح في تركيا مسدود، وقد خلف ضحايا كثيرين من الضحايا، وجعل الراي العام الدولي شكاكاً تجاه حزب العمال ومنهم من اعبروه ارهابياً.. وقد تبين اليوم ان اردوغان، الذي سبق ان خسر اغلبيته البرلمانية، كان يخدع ويناور (كما فعل صدام مع الاكراد)، وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض، فاستغل ورقة داعش، وادعى محاربته، مع انه سلط النيران المركزة على الاكراد أكثر مما على داعش. ولا يجهل العالم ان تركيا هي المسؤولية عن تدفق الالاف والالاف من الجهاديين الداعشيين الى سوريا، قادمين من اوربا ودول أخرى في العالم.
المؤلم ان حزب العمال وقع في فخ، فرد النار بالنار، وهذا طريق خاسر، فقد كان يجب الانتظار وفضح مناورة اردوغان وعدوانية لكسب الراي العام الدولي، وكذلك الفئات المعتدلة في تركيا نفسها.
ان لأكراد تركيا حقهم المشروع في ان يتمتعوا بحكم ذاتي، وحتى بالفدرالية ضمن الكيان التركي الواحد. الطريق الى ذلك صعب وطويل، اما الكفاح المسلح فلا ينتج عنه غير إضعاف الموقف الكردي. وعلى حزب العمال وبقية اكراد تركيا الحذر من تطرف بعض التنظيمات الفوضوية الكردية المسلحة وان لا ينجروا وراؤها في تأجيج الوضع. ان المرونة ومراعاة موازين القوى السياسية مطلوبان وكسب الراي العام مهم للغاية.
في فترة من عملي السياسي كنت من مروجي الكفاح المسلح، واليوم أرى ان مشروعية استخدام القوة هي عندما يتعلق الامر بمقاومة غزو أجنبي او المشاركة مع الجيش الوطني في محاربة عدو إرهابي شرس مثل داعش، اما طريق التغيير الحقيقي والسليم في وجه نظام فاسد او طائفي، فهو العمل السلمي والمطالبة بإصلاحات متدرجة ومرحلية، وعزل المزايدين والمتشددين والذين يريدون ركوب الموجه لتحقيق اغراضهم المنافية لكل تحول ديمقراطي حقيقي.
&