&
يمكن القول أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوجان التى أدلي بها – مساء السبت الماضي - علي أثر عودته من أذربيجان والتى أكد فيها " أنه لا مفر من إعادة الإنتخابات التشريعية " التى شهدتها بلاده يوم 7 من الشهر الجاري ، لم تدهش المراقب الأوربي الذي توقع مثل هذه الخطوة فور أعلان نتيجتها ، ليس فقط لأنها كشفت عن حراك سياسي تركي لم يعمل له حزب العدالة والتنمية حساباته الكافية ، ولكن لأنها أطاحت بطموحات الرئيس الذي كان يرتب أوارقه لفتح صفحة جديدة في تاريخ بلاده ترتبط بأسمه وتخلده..&
لم يَخف أردوجان طموحاته في تولي منصب رئيس الجمهورية..&
سجلت له التقارير السياسية والإعلامية انه كان يخطط لإحتلال كرسي أعلي سلطة في الدولة حتى من قبل أن يفوز حزب العدالة بتشكيل الوزارة التركية للمرة الثالثة عام 2011 ( المرتين السابقتين كانت عامي 2002 و 2007 ) وأنه لثقته المفرطة في الفوز للمرة الرابعة كان يخطط لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية ، عن طريق إجراء تعديلات لبعض نصوص الدستور الحالي الذي وضعه " انقلاب العسكر عام 1982 " تطلق سلطاته " بما يسمح له بإستعادة أجواء الأمة العثمانية " الإسلامية " علي حساب دولة أتاتورك " العلمانية "..&
ولاحظت عليه إبان حملة حزبه الإنتخابية الأخيرة إسرافه في الدعوة لبناء " تركيا الجديدة " بنصرة الإسلام السياسي باعتباره الإطار الجامع لكافة أطياف تركيا بعيداً عن كل ما هو قومي أو وطني من خلال التذكير بنجاحات إقتصادية ومجتمعية حققها علي إمتداد الإثني عشر عاماً الأخيرة ، لم يحتل فيها الفكر السياسي الإسلامي مكانة الصدارة ولا جاء أي منها كنتيجة مباشرة للتطبيقات النظرية التي ينادي بها منظروه..&
دليلنا علي ذلك أن كافة صنوف الدعاية التى لجأت إليها المعارضة التركية ممثلة في حزب الشعب و الحزب القومي اليميني و الحزب الديموقراطي الكردي ، دارت حول شخصية رئيس الجمهورية الذي يريد ان يستبدل الدولة التركية بشخصه وتناولت صور الإستبداد وقمع الحريات التى أقدمت عليها حكومة احمد داوود أوغلو وركزت بشكل متواصل علي صور البذخ والإسراف التي إستشرت علي مستوي الرئاسة والحزب منذ تولي رئاسة الجمهورية مسئولياته قبل أقل من عامين ، بهدف تحريض الناخب علي أن لا يمنح ثقته لحزب رئيس الجمهورية " حتى لا يستعيد صورة " السلطان العثماني الطاغي " الذي حول تركيا إلي " رجل أوربا المريض " وجعلها مستباحه علي يد عواصم صنع القرار فيها..&
كما ركزت علي أخفاقات سياسته الخارجية خاصة علي مستوي قضية الشعب السوري وما كشفت عنه بعض وسائل الإعلام من تناقض بين ما يصرح به في العلن وما يخطط له داخل الحجرات المغلقة.. وتمويله لبعض الفصائل المتطرفة في العراق بالسلاح والعتاد.. وتدخله المرفوض شعبياً ورسمياً في سياسات بعض الدول كمصر.. ومناصرته لبعض القوي المتقاتلة في ليبيا لصالح قوي إسلامية اقل ما توصف به أنها تعمل علي هدم أسس الدين الحنيف..&
لم ترحب وسائل الإعلام الأوربية بمخطط " إستنساخ بسلطان تركي " وطالبت عواصم الغرب الكبري بتقديم نصحية لأردوجان تقول ان ما يُخطط له لا يتناسب مع مفاهيم الحكم والإدارة التى يتطلع إليها شعبه.. وتؤكد له أن شغفه " لإمتلاك " سلطات رئاسية مطلقة لن يتحقق بسبب الوعي المتزايد الذي يعيشه المجتمع المدين التركي – ومثله كثيرون في منطقة الشرق الاوسط الكبير – وحرص الجميع علي تطوير حقوقهم السياسية والإنسانية..&
كان لحزب العدالة والتنمية في الجمعية الوطنية الأخيرة 327 مقعد تمثل 49 % من القوي الوطنية التى تشكلت قبل أربع سنوات مما منحه فرصة مواتية لتأليف وزارة بمساعدة محدودة من بعض الأحزاب الصغيرة.. &
هذه المرة..&
كان أردوجان يطمح لأن يحصل حزبه علي 367 مقعد من أصل 550 مقعد تمثل له أغلبية مريحة تعطيه الحق دستورياً في أن يشكل الوزارة الجديدة بمفرده دون حاجة للتحالف مع أي حزب آخر ، لكن الناخب التركي حرمه من ذلك بأن أعطي علي الآقل 8 % من مؤيديه أصواتهم لأحزاب المعارضة وفي مقدمتها الحزب الكردي الذي يدخل ممثلوه البرلمان لأول مرة..&
الدستور التركي يمنح رئيس الجمهورية الحق في تكليف رئيس الحزب الذي فاز بأكبر عدد من مقاعد الجمعية الوطنية بتأليف الوزارة الجديدة..&
السؤال الذي تتداوله وسائل الإعلام الغربية.. هل يملك أحمد داوود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية مقومات التفاهم والتنسيق مع واحد من احزاب المعارضة الثلاثة الكبري ، حتي يتمكن من تشكيل وزارة إئتلافية قادرة علي الصمود في وجه العاصفة ولديها الإستعداد لقبول التحديات التى افرزتها الإنتخابات النيابية الاخيرة ؟؟..&
أن لم يتمكن الرجل ، فسيعود لرئيس الجمهورية معتذراً..&
وتصبح صياغة السؤال.. هل لدي أي من رؤساء احزاب المعارضة تلك ( الشعب الجمهوري و الحركة القومية و الشعوب الديموقراطي الكردي ) الإستعداد معاً لتشكيل وزارة بنفس المواصفات تكون قادرة علي الفوز بثفة المجلس التشريعي.
نقول:
اذا فرضت أساليب التنابذ السياسي نفسها علي ساحة تشكيل الوزارة الجديدة في تركيا ، فلن يتمكن أي من الفريقين العدالة والتنمية من ناحية و أحزاب المعارضة من ناحية أخري من تأليف وزارة إئتلافية تُسير أمور البلاد في الفترة القادمة.. ونعني بذلك..&
1 – ان يرفض كمال كليتشدار رئيس حزب الشعب الجمهوري المشاركة منفردا او مع آخرين في التشكيلة الوزارية الجديدة.. إما بشكل مطلق ، وإما لخلاف علي نصيبة من الوزرات ذات الوزن والاعتبار والتى يمكن ان تمنحه تراكما سياسيا في المستقبل..&
2 – ان يتحالف الحزبان الآخران الحركة القومية والشعوب الديموقراطي الكردي معا لرفض المشاركة جملة وفصيلا..&
وفي هذه الحالة ستضطر الجمعية الوطنية إلي القيام بحل نفسها وفقاً لأحكام الدستور ومن ثم يُعلن رئيس الجمهورية عن موعد جديد لإجراء إنتخابات تشريعية جديدة..&
أما إذا تقاربت وجهات النظر بين الاحزاب الاربعة تحت مظلة المصلحة العليا لتركيا ، فسيفتح ذلك الطريق إلي إتفاق علي تشكيل حكومة إئتلافية قوية أو هشة في ضوء الاشتراطات والضماات التى يطالب بها كل طرف ويوافقه عليها الآخرون..&
وهناك سيناريو آخر أشارت اليه بعض الصحف التركية يتمحور حول قدرة رئيس الجمهورية في إقناع عدد من اعضاء البرلمان المستقلين او المنتمين لأحزاب خارج دائرة الثلاثة المعارضون بالإنضمام إلي حزبه لكي يتوافر لزعيم حزب العدالة والتنمية النصاب القانوني الذي يؤمن له غالبية قوية تجعله قادراً علي تأليف وزارة إئتلافية مضمونة الإستمرارية بعيداً عن طموحات المعارضة وتلافيا للعقبات التى تصر علي أن تضعها في طريقه عن سوء نية وخبث مقاصد..&
تميل معظم التقارير إلي توقع الأسوأ..&
ونقصد بذلك الفشل في التوافق علي مستوي الأحزاب الأربعة سواء لتشكيل وزارة برئاسة زعيم حزب العدالة والتنمية أو أخري برئاسة زعيم حزب الشعب الديموقراطي..&
وبذلك يمتد زمن الفراغ الحكومي التركي مما سيفاقم من تداعيات الفترة السياسية شديدة التعقيد التى يختلط فيها الإقتصادي الداخلي والسياسي الوطني والأمني السيادي بالأقليمي والدولي ، ويؤثر فيها مزاج الناخب التركي الذي ربما يواصل رفضه لطموحات رئيس الجمهورية ويوسع من دائرة تأييده لبرامج احزاب المعارضة ، عندما يذهب للإدلاء بصوته بعد أقل من ثلاثة أشهر.
* استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
&
التعليقات