كانت الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت يوم السابع من يونيو الحالي نقلة نوعية في مسيرة حزب العدالة والتنمية الذي تأسس في الرابع عشر من أغسطس 2001 ، على أنقاض أو من مشتقات حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان، وتمّ حلّه بقرار صدر من محكمة الدستور التركية في الثاني والعشرين من يونيو 2001 ، أي أنّ تأسيس الحزب بواسطة وقيادة عبد الله غول و رجب طيب أردوغان تمّ بعد حوالي شهرين من حل حزب الفضيلة، وكانت أول مفاجأة بعد التأسيس أن يشارك الحزب في الانتخابات التشريعية التركية عام 2002 ويفوز ب 363 نائبا مما أهلّه لتشكيل الحكومة برئاسة عبد الله غول ، لأنّ أردوغان كان آنذاك ليس من حقه رئاسة الحكومة بسبب الحكم عليه بالسجن عام 1998 بحجة إثارة الكراهية الدينية ومنعه من شغل الوظائف الحكومية، وفي مارس من عام 2003 تولى رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه حتى أغسطس 2014 ، حيث تولى رئاسة الجمهورية التركية وما زال، وخلفه في رئاسة الوزراء مستشاره و وزير الخارجية أحمد داود أوغلو الذي قدّم استقالته بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة.
ماهية النقلة النوعية للإنتخابات الأخيرة
هذه النقلة تتمثل في أنّ حزب العدالة والتنمية الذي استمر في رئاسة الوزراء والجمهورية منفردا قرابة 13 عاما من الاستقرار التركي في غالبية المجالات خاصة التطور الاقتصادي الرهيب الذي سدّد كافة ديون تركيا للخارج وصندوق النقد الدولي، وأصبحت تركيا دائنة لصندوق النقد الدولي بدل أن تبقى مستدينة من البنك ، هذا الحزب لم يكسب في الانتخابات الأخيرة الأغلبية البرلمانية المطلوبة (367 عضوا ) لتشكيله الحكومة منفردا، إذ حصل على 260 عضوا فقط مما لا يؤهله تشكيل حكومة أغلبية وبالتالي فهو أمام خيارين: إما تشكيل حكومة أقلية لن تتمكن من تمرير أية قرارات لها بسبب الأغلبية المعارضة مما سيؤدي لسقوط هذه الحكومية واللجوء لانتخابات برلمانية جديدة، أو تشكيل حكومة إئتلافية مع واحد من الأحزاب التي حصلت على أصوات تتيح تشكيل هذه الحكومة الإئتلافية، حيث كانت أصوات الأحزاب الأخرى كالتالي: حزب الشعب الجمهوري 260 عضوا، حزب الحركة القومية 130 عضوا، و حزب الشعوب الديمقراطي (كردي) 78 عضوا. وحسب هذه الأرقام فلا يستطيع حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة إئتلافية لها الأغلبية البرلمانية (367 عضوا) إلا بالتحالف مع حزب الشعب الجمهوري الذي له 130 عضوا، أمّا التحالف مع أي من الحزبين الآخرين وحده لا يحقق هذا العدد المطلوب للأغلبية البرلمانية.
ملامح توجهات حزب العدالة والتنمية القادمة
تصريحات مسؤولي الحزب خاصة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان و رئيس الوزراء المستقيل أحمد داود أوغلو تعطي الانطباع بأنّ الحزب لن يلجأ لحكومة أقلية تقتصر على الحزب فقط كي لا تصل تركيا للإحتمال الأكثر ورودا وهو إسقاط الحكومة واللجوء لإنتخابات مبكرة، وذلك حفاظا على الإنجازات التي حقّقها الحزب خلال الثلاثة عشر عاما الماضية، ويعترف بها محبو ومؤيدو أردوغان وحزبه و معارضو أردوغان وحزبه، ويعترف ويفتخر بها المواطن التركي وقد سمعتها مباشرة خلال زيارتين لمدينة إستانبول في الشهور القليلة الماضية وأهمها في سنوات حكم حزب العدالة والتنمية :
1 . لفتت تركيا أنظار العالم بحجم صادراتها التي بلغت عام 2013 أي بعد قرابة عشر سنوات من حكم الحزب 152 مليار دولار، وهي تساوي عشرة أضعاف الصادرات التركية قبل تولي حزب العدالة والتنمية الحكم.
2 . أصبحت تركيا في سنوات حكم الحزب القوة الاقتصادية رقم 17 في العالم حسب التقارير الرسمية لصندوق النقد الدولي، إذ بلغ الناتج المحلي في تركيا قرابة ثلاثة أرباع تريليون دولار. وقد سدّدت تركيا كافة مديونيتها من صندوق النقد الدولي وأصبحت دائنة لهذا الصندوق بعد أن كانت مستدينة دائمة منه.
3 . ارتفع معدل دخل الفرد التركي من 3500 دولار سنويا إلى 10500 دولار. وفي مجال التعليم والحياة الاجتماعية انجازات تحتاج لرصد خاص حيث يفتخر المواطن التركي بالإنجازات في ميدان التعليم بكافة مراحله وميدان الصحة والصناعة.
والمهم في المجال السياسي التركي،
انّ اردوغان وحزبه طوال السنوات الماضية من حكمه، قد ألغى قوانين وحالة الطوارىء، وأنهى للإبد موضة الانقلابات العسكرية التي ما زالت أكثر من دولة عربية وأفريقية تعيشها حيث يستولي أي عسكري على السلطة ويبقى فيها عشرات السنين. و أيضا ما هو مهم للسياح والطلاب ومحتاجي العلاج العرب فقد تمّ إلغاء تأشيرة الدخول " الفيزا" لمواطني العديد من الدول العربية منها: الأردن، سوريا، لبنان، ليبيا ، الكويت ، دولة الإمارات ، المملكة السعودية ، قطر ، البحرين ، وتونس ، والعديد من مواطني الدول العربية يمكنهم الحصول على الفيزا الإليكترونية خلال دقائق عبر الموقع الإليكتروني لوزارة الخارجية التركية...فلماذا لا تفعل الدول العربية هذا بينها حيث غالبية هذه الدول تطلب تأشيرات دخول مسبقة من مواطني الدول الأخرى، وبعض هذه التأشيرات شبه مستحيلة. ويكفي رأي "تيم آش" رئيس الأسواق النامية& ببنك "ستاندارد " في الرئيس أردوغان حيث قال: " في السنوات الأخيرة كان النجاح في تركيا يتصل جزئيا بالحكومة المكونة من حزب واحد ، إلا أنّ اردوغان كان جزءا أساسيا في هذا النجاح ".
والمتوقع أيضا من الرئيس أردوغان وحزبه،
في ظل التشكيل الإئتلافي للحكومة التركية الجديدة أن يقوم بتطوير مهم في أمرين:
الأول، هو تطوير إيجابي لحقوق وحضور القومية الكردية التي حصل حزبها " حزب الشعوب الديمقراطي " على 12 % من الأصوات& 78 عضوا في البرلمان الجديد، خاصة أنّ هذا الحزب ينبذ العنف ويطالب فقط بحقوق كاملة للأتراك من القومية الكردية، وضمن هذا السياق ليس مستبعدا الإفراج عن عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي أطلق أكثر من مبادرة سلمية.
الثاني، إطلاق مزيد من حرية الرأي والتعبير التي لا يمكن إنكار أنّه في السنوات القليلة الماضية من حكم الرئيس أردوغان تمّ التضييق على حرية الرأي خاصة بعد المظاهرات التي شهدها ميدان تقسيم بمدينة إستانبول واستعمل العنف ضد المشاركين فيها.
و عربيا نقول بصراحة و وضوح:
إن الرئيس رجب طيب أردوغان ليس نبيا ولم تخل فترة حكمه ورئاسته من الأخطاء والسلبيات التي ذكرنا بعضها في السطور السابقة، وفقط نقول للحكام والرؤساء العرب: هل يمكن أن تحققوا لشعوبكم خلال خمسين عاما قادمة خمسة بالمائة فقط مما حققه أردوغان لشعبه التركي في 13 عاما؟.
www.drabumatar.com
&
التعليقات