&لا شك أن الوضع السوري يسير مع كل يوم يمضي من سيء إلى أسوأ و إلى أشد سوأ، كما أنه يزداد تعقيدا من جراء مواقف المجتمع الدولي الخجولة و عدم التقاء مصالح القوى الاقليمية و الدولية حول صياغة مشتركة لخطة طريق تخرج المسألة السورية من عنق الزجاجة. مواقف القوى المذكورة وقراراتها تؤثر في الواقع المعاش على أرض المعارك حيث ترفع من قوة جانب النظام حينا و قوى المعارضة المسلحة حينا آخر لكنها في جميع الأحوال تساهم بكل تأكيد في استمرار النزيف السوري, تقطيع أوصال البلاد، تساهم في تعميق الجرح، تفاقم عذابات المواطن العادي و تجعله يسير هائما على وجهه فأي مكان خارج وطنهم سيكون أرحم من براميل النظام المتفجرة، سيوف جلادي التنظيمات الإرهابية و ضلالهم.&

في مقال نشرته مؤخرا صحيفة الاندبندنت البريطانية بعنوان تركية و السعودية تنذران الغرب من خلال دعمها للجماعات الإسلامية المتطرفة التي تقصفهم أميركا. تريد الصحيفة تسليط الأضواء على الخلافات التي تشتت القوى الإقليمية و الدولية الداعمة للثورة و بالتالي القوى المسلحة التي تمولها كل منهم و تأثيراته على مسار الثورة السورية:

تركيا و السعودية تدعمان تحالف ميليشيات الجهاديين المتطرفين الثائرة و التي تضم الفرع السوري للقاعدة ضد بشار الأسد. الدولتان تساندان الثوار المنضوين تحت لواء جيش الفتح الذي يشكل الهيكلة القيادية للجماعات الجهادية بما فيها جبهة النصرة، الجماعة المتطرفة المنافسة لتنظيم الدولة و التي تشاطرها الكثير من الأفكار المماثلة خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم المتزمتة بشأن اقامة الخلافة الإسلامية. قرار الدولتين الحليفتين لدعم النصرة التي تلعب دور قياديا في المعارك يشكل نذيرا للحكومات الغربية التي لم تكن على توافق تام مع أمريكا التي تقف ضد تسليح الجهاديين في الحرب الأهلية السورية الطويلة كما أن ذلك يهدد محاولة واشنطن تدريب المعارضة الموالية للغرب التي أعلن عنها أوباما منذ عام و الذي اتضح مؤخرا بأن عددهم قليل كما أنهم سوف يحاربون داعش و ليس النظام.

تقول الاندبندنت من خلال تواصلها مع الدبلوماسيين بأنه تم التوصل إلى توافق بعد زيارة أردوغان للرياض ولقاءه الملك سلمان في أوائل آذار من العام الجاري. العلاقات كانت قد استاءت بين السعودية و تركيا نظرا لدعم تركيا للإخوان المسلمين الذين تعتبرهم المملكة تهديدا لها. لكن أردوغان اوضح للمسؤولين السعوديين بان سلبية الغرب في التعاطي مع الملف السوري على وجه الخصوص عدم سعيهم لإقامة منطقة آمنة يحتم على القوى الاقليمية ان تتقارب لدعم المعارضة.&

جيش الفتح الذي هو عبارة عن تحالف عدد من الجماعات الاسلامية المتطرفة مثل أحرار الشام, جند الأقصى بين أعضاءها السبعة لديهم مقر قيادة في ادلب شمال سورية. تستمر الصحيفة في قولها بأن تركية اعترفت بتقديمها للمساعدات اللوجستية و الخبرات لمقر قيادتهم لكي تستفيد منها تلك الجماعات. كما اعترفت بصلاتها مع أحرار الشام الذين تعتبرهم أميركا من المتطرفين لكنها حاربت تنظيم الدولة مثلها مثل النصرة في بعض الأماكن من سورية. كذلك تدّعي تركيا بأن دعم أحرار الشام سوف يقلل من شأن جبهة النصرة. تقول الصحيفة بأن السلاح،العتاد و المال تأتي من السعودية هذا ما يقولوه المسؤولون فيما تتكفل تركيا بتأمين المعابر. القرى الحدودية مثل غوفيجي,كيوباسي,هاجي باشا,باس أصلان,كوسكالي, بوكولميز هم من المعابر المفضلة حسب الثوار.

التوصل إلى الإتفاق حصل بين تركية و السعودية من خلال تباين مواقف بلديهما مع الموقف الأمريكي حول نظرتها إلى القوى السنية الإقليمية فواشنطن صرحت علنا بأنها لن تسلح الجهاديين كما أنها قصفت مواقعا للنصرة في حلب في أولى أيام الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة بحجة أنها تخطط لهجمات ضد الغرب. الصحيفة تقول إن السعودية ترى أن أميركا تعمل و كأنها بحاجة إلى دعم شيعة إيران في مواجهة داعش متأملة من أن الاتفاق النووي الإيراني سوف يجعل من طهران أقل اهتماما بشأن إزاحة النظام الحليف لها في دمشق.

تتابع الإندبندت الاشارة إلى عدم رضا الدول السنية من المقاربة الأميركية الإيرانية إلى انسحاب الملك سلمان من الاجتماع مع أوباما في البيت الأبيض وتمثيله من قبل ولي العهد الأمير محمد بن نايف ومن أصل ستة زعماء خليجيين حضر أمير قطر والكويت.

الصحيفة ترى أيضا بأنه من وجهة نظر سنية فإن العمل الأمريكي في سورية ضئيل فقد انقضى عام على إعلان الرئيس الأمريكي أوباما عن برنامج 500 مليون دولار لتدريب المعارضة و لم يظهر منه حتى الآن سوى بضع متدربين معتدلين فشلوا في التصدي للمتطرفين و تراجعوا تاركين أسلحتهم,المسؤولون الأمريكان يعزون ذلك للإجراءات القاسية التي تطبق خلال اختبارات التعبئة.

كما تقول الاندبندت إن واحدة من أكثر الحالات إحراجا لواشنطن كان انسحاب حركة حزم تاركة قواعدها،مخلفة أسلحتها المتطورة و الممولة أمريكيا لصالح جبهة النصرة, بالإضافة إلى شائعات حول انتهاكات لحقوق الانسان ترتكبها الجماعات المدعومة غربيا حسب السكان المحليين.

حتى الآن هناك أربعة آلاف شخص من المقرر أن يحصلوا على تدريبات استعمال الأسلحة الخفيفة في البرنامج الحالي, سوف يبدؤون في معسكرات تدريب في تركيا,الأردن,السعودية ومن غير المتوقع أن يكونوا جاهزين لبضعة أشهر كما أن البنتاغون تتوقع أن يستغرق ذلك ثلاثة أعوام قبل أن تكون القوة التي قوامها خمسة آلاف مقاتل جاهزة.

العلامات الرئيسية في التقارب بين السعودية و تركية كانت حول الإخوان المسلمين, السعودية رحبت بالانقلاب على حكومة مرسي في مصر فيما كانت جماعة الإخوان تحظى بالدعم التركي المتواصل منذ وصول أردوغان الى السلطة. الآن يقول الدبلوماسيون و المسؤولين طبقا للاندبندنت بأن السعودية قد وافقت على أن يستمر الإخوان بدورهم في المعارضة السورية.

من جهتها فإن مقاتلي المعارضة يدعون بأنه بعد هزيمة الجماعات المدعومة من الغرب في مواجهة النصرة، بدأت واشنطن بقطع التمويل عن معظم الجماعات التي من المفروض أنها تحسب من المعتدلة و حركة حزم كانت المفضلة من بينهم قد تم قطع تمويلها للنصف فيما كتيبة الفاروق قطع عنها كامل التمويل.

يقول عبد اللطيف صباغ ضابط في أحرار الشام أن المدعومين من الأمريكان يقولون بأنهم ثوار لكنهم يعانون من الفساد و عدم التأهيل, جيش الفتح ناجح لأن الجميع يقاتلون معا,نحارب تنظيم الدولة كما أننا نحارب بشار أيضا, الأمريكان يقصفون داعش لكنهم لا يفعلون شيئا ضد النظام لذلك توحدنا جميعا لمحاربتهما.

جيش الفتح حقق تقدما في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام و استولت على إدلب و بلدات وقرى أخرى, النصرة قدمت اكثر من ثلاثة آلاف مقاتل في العملية, الأمر الذي و ضع الثوار في موقع مؤهل للهجوم على اللاذقية و الشريط الساحلي.

&تختم الصحيفة بأن جيش الفتح يستعد للهجوم على القسم الذي يسيطر عليه النظام في حلب كبرى المدن في البلاد.

لعل هذه التطورات التي حدثت متوالية لصالح قوى المعارضة تفسر سبب ازدياد التدخل الروسي المباشر في الشأن السوري و الظهور العلني لقوات بوتين في مناطق من الساحل لحماية النظام من السقوط و بالتالي سد الطريق أمام الجماعات الأصولية من الاستيلاء على مؤسسات الدولة، ما يؤكد بقاء الوضع السوري في نفقه المظلم و غياب بوادر الحل إلى أجل غير مسمى.

&

ستوكهولم

[email protected]