سجل يوم الجمعة الماضي 4 سبتمبر تصريحين بالغي الأهمية انطلقا من مكانين يقعان علي جانبي الكرة الارضية.

الأول علي لسان عادل الجبير وزير خارجية السعودية الذي اعلن من واشنطن ان الرياض لا تعارض الاتفاق الذي توصلت إليه مجموعة 5 + 1 مع إيران، وانها تصر علي ضرورة تنحي بشار الاسد عن السلطة كعنوان للحل السياسي الملائم الذي يطالب به الشعب السوري.

والثاني جاء علي لسان الرئيس الروسي بوتين خلال رئاسته للمنتدي الإقتصادي الشرقي في مدينة فلاديفوستوك، حول حتمية الإبقاء علي الرئيس بشار رئيسا لسوريا كعنصر شديد الأهمية ضمن تحالف دولي اكثر قوة وفاعلية لمحاربة الارهاب..&

بالتوازي مع هذه التصريحات قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن الوزير جون كيري اعرب في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي عن الإدارة الأمريكية تشعر بقلق بالغ بسبب التقرير الذى نشرتها صحيفة نيويورك تايمز ( يوم الجمعة ايضاً ) حول قيام روسيا بإرسال فريق عسكري ذو خبرة واسعة في قتال المدن، وأنها تستعد لإرسال مزيد من التعزيزات الداعمة حربياً للجيش السوري.

دعونا من يوم الجمعة هذا، ولنعد بالقارئ الكريم عدة أسابيع للوراء:

أعلنت واشنطن منتصف شهر مايو الماضي أنها توصلت بعد محادثات مكثفة عقدتها مع فريق روسي رفيع المستوي في موسكو إلي صيغة توافقية ستكون عنوان لـ " تعاون أوثق للتصدي للتحديات التى تواجه الطرفان في الشرق الاوسط "..&

أيد ميخائيل بوجدانوف نائب وزير خارجية روسيا ننائج تلك المحادثات ووصفها بانها كانت " صريحة للغاية وبناءه " وانها تناولت الأوضاع في سوريا بكل وضوح، وان الطرفان إتفقا علي مواصلة التباحث " لإيجاد حل سلمي لقضية الشعب السوري يتضمن انتقال سياسي ثابت للسلطة في دمشق ".

اللافت للنظر هنا أمران:

الأول.. ان دانييل روبنشتين حمل نتائج ما توصل إليه الطرفان في ضوء تلك المحادقات إلي تركيا التى تقابل في عاصمتها مع بعض فصائل المعارضة السورية " المعتدلة " التى تدعمها الإدارة الأمريكية، وأيضاً إلي السعودية التى اطلعها في نفس الوقت علي مجمل الإيجابيات التى سيتضمنها اتفاق مجموعة 5 + 1 مع إيران حول برنامجها النووي.

الثاني.. ان هذا التنسيق الروسي الأمريكي جاء قبل أيام قليلة من إبرام اتفاق تحجيم قدرات إيران النووية، الذي استخدمت إدارة أوباما كل مهاراتها السياسية والأمنية لإنجاحه، والذي تُجمع الكثير من التقارير علي أن خطوطه لم تكن بعيدا عن اروقة موسكو الدبلوماسية علي الأقل من جانب طهران.

من هنا نقول:

أن تعضيد موسكو لموقف إيران من القضية السورية وإمتداده لتقوية موقفها التفاوضي مع مجموعة 5 + 1 كان وراء تحركها علي أكثر من مستوي للدفع نحو إقامة تحالف دولي ضد الإرهاب يكون أكثر فاعلية من ذلك التى تقوده الولايات المتحدة خاصة وانه لم يحقق النتائج المرجوه من وراءه، والتأكيد في نفس الوقت علي أن إبعاد بشار الأسد عن الحكم في هذه المرحلة الحرجة سيُوقع المنطقة كلها في قبضة المنظمات الإرهابية التى ستهدد كافة الأنظمة وكل المصالح الشرقية والغربية.

وفق هذه الرؤية:

- اجتمع لافروف وزير خارجية روسيا في الدوحة منتصف شهر أغسطس الماضي مع وزيري خارجية أمريكا والسعودية لتبادل الرأي حول هذين المحورين.

- زار نائبة بوجدانوف طهران والتقي إلي جانب كبار مسئوليها وزير خارجية سوريا، حيث ناقش معهم اطار النهج الروسي في التعامل معهما.

- استكمالاً لتعزيز لمسار تقاربها مع الرياض استضافت موسكو وزير السعودية للتعرف منه بشكل مباشر علي رؤية المملكة لما سبق مناقشته مع الأمير سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع قبل ذلك بثلاثة اسابيع من تصورات حول هذه الأمرين.

- عقد مسئولون روس كبار عدد من الجلسات الحوارية في أنقرة مع كبار المسئولين الأتراك، واخري مع عدد من فصائل المقاومة.

ويمكن القول:

ان نتائج هذه التحركات في مجملها عززت مساعي الرئيس الروسي أن تكون أولوية التحرك الثنائي علي مستوي موسكو / واشنطن مع حلفائهما في المنطقة طهران السعودية لمحاربة الإرهاب الذي يمثله تنظيم داعش، لأنه:

1 – رغم ما تعرض له من ضربات جوية من جانب التحالف الدولي وأرضية علي يد القوي العراقية والكردية والجيش السوري، لازال قادراً علي البقاء من ناحية وعلي القيام بتكتيكات حربية مؤثرة من ناحية أخري..&

2 – أن المساعدات العسكرية التى قدمتها واشنطن للجانب الكردي في الجبهة العراقية لم تُفد كثيراً في دحره بالشكل المطلوب.

3 – أن تدميراته علي مستوي التراث الحضاري لكل من الشعبين السوري والعراقي تَعدت كافة التقديرات، ويبدو انها ستدفعه للقيام بمزيد منها في قابل الأيام.

4 - أن مجموعات المقاتلين الذين دربتهم واشنطن علي قتاله ووقعت فور نزولها ميدان المواجهة في قبضة رجاله سواء بسبب الدسيسة أو لقلة الخبرة، برهنت علي انه لا جدي من تكرار التجربة أو التمسك بجدواها.

هذه المعادلة الروسية التى تربط بين متطلبات محاربة الإرهاب فوق أراضي العراق وسوريا وبين الإبقاء علي الرئيس السوري لفترة زمنية محددة عبرانتخابات شعبية تحت إشراف دولي تؤدي إلي مشاركة " المعارضة المعتدلة " في الحكم، لكي يكون لسوريا كما للعراق دور في دحر كافة المنظمات الإرهابية التى تدمر البشر والحضارة في كل منهما.. تقول في رسالة واضحة لكل من واشنطن والرياض أن مخططات الخمس سنوات الأخيرة لإسقاط حكم بشار الأسد، لم تتوقف عند حدود عدم نجاحها في القضاء عليه!! بل تعدته إلي تهيئة البيئة لتوالد عدد من المنظمات الإرهابية التى تنامت إلي مستوي تهديد.

1 - نظم حكم مستقرة&

2 - وتحطيم تراث حضاري لا مثيل له&

3 - بالاضافة إلي تهديدها جميعا لمصالح القوي الكبري في العالم..&

من جانبي أري أن هذه المعادلة صعبة التحقيق..&

لأنها تضع الجانبين.. الروسي الإيراني من ناحية و الأمريكي السعودي في مواجهة إستراييجية وتكتيكية، مستحيلة التوافق لأن:

التكتل الأول متمسك ببقاء الرئيس السوري علي الأقل لحين تحقيق هزيمة حاسمة ضد التنظيمات الإرهابية التى تنتشر كالسرطان في المنطقة، ويحذر بقوة أن إبعاده في اللحظة الراهنة عن رئاسة الدولة سيؤدي إلي وضع أراضي سوريا بالكامل وغالبية أراضي الشمال العراقي تحت حكم داعش الدموي.. الأمر الذي سيفتح طاقات الجحيم علي حلفاء الطرفين، وسيجعل مصالح موسكو وواشنطن في مهب الريح.

والتكتل الثاني مُصر علي الخلاص من الرئيس السوري كخطوة اساسية لبدء ما يراه حلاً سياسيا للملف السوري برمته، ويري ان ملف الارهاب ليس له صلة ببقاء بشار الأسد من عدمه ويري أن ما تحقق في مجال محاربة تنظيم داعش حتى الآن يُنبأ بالقدرة علي دحره دون حاجة لمساعدة من جانب موسكو أو طهران وكذا الجيشين العراقي والسوري..&

السؤال:

هل ستقضي هذه التعقيدات علي الأمل في فتح الباب لحل سياسي فوق الارض السورية بعد هذه السنوات الخمس وبعد ما عايشه من تشريد وتهجير وقتل وتمزيق؟&

أم سيتمكن الطرفان الروسي والامريكي عندما يلتقيان في واشنطن قبل نهاية الشهر الحالي من التوصل إلي صيغة للتقريب بين وجهتي نظرهما؟
&

* إستشاري اعالامي مقيم في بريطانيا.. [email protected]&

&