حزب العدالة والتنمية التركي، الذي أنشأه أردوغان وعبدالله غول مع مجموعة إخرى من المنشقين عن حزب الفضيلة الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان عام 2001. بدأ كحزب إصلاحي ذو خلفية إسلامية إخوانية، وتمكن من تحقيق نهضة إقتصادية حقيقية في البلاد خلال مدة قصيرة، وأعاد العسكر إلى سكناتهم، وفتح المجال أمال المحجبات من الدراسة في الجامعات والعمل في دوائر الدولة التركية، بما فيهم البرلمان، وبدأ بالتفاوض مع حزب العمال الكردستاني لإيجاد حل للقضية الكردية، وكل هذا يحسب له بالتأكيد، ولهذا منح الناخبين الأتراك وقسم لابأس به من الكرد ذوي الميول الإسلامية، أصواتهم لهذا الحزب ثلاثة دورات متتالية، ومكنوه من الحكم بمفرده. ولعب الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان دورآ محوريآ في نجاح الحزب، لما يتمتع به من كاريزمة وبلاغة خطابية جيدة.
وكأي حزب طال وجوده في السلطة وبنفس الوجه، تراخى الحركة الإصلاحية في فكره وعمله، بسبب إنشغال القيادات الحزبية العليا بالحفاظ على مناصبهم وترسيخ نفوذهم والإلتهاء بالمصالح الشخصية والعائلية وجمع الثروة. والأمر الأخر هو الثقة الزائدة التي تولدت لدى قيادات هذا الحزب، بعد فوزهم بثلاثة دورات متتالية في الإنتخابات، وهذ دفع بهم إلى رفض الإستماع للأخرين والتعامل معهم بنوع من التعالي والعجرفة. والسبب الأخر هو إنضمام الكثرين من الإنتهازيين إلى ركب حزب العدالة والتنمية للحصول على مكاسب معينة.&
هذا أدى إلى تفشي الفساد بين القيادات هذا الحزب من الصف الأول والثاني، وتورطوا في عمليات فساد كبيرة، من ضمنهم السيد أردوغان نفسه كما نشر في الإعلام التركي. ونتيجة إستمرار أردوغان في قيادة الحزب والحكومة لفترة طويلة، مع الوقت تحول إلى دكتاتور داخل الحزب وفي تركيا، ومعه تحول حزب العدالة والتنمية الإصلاحي من حزبٍ حاكم إلى حزب الحاكم، خاصة بعد إنعقاد مؤتمره الخامس يوم السبت الموافق 11 أيلول/ سبتمبر 2015 في أنقرة، والذي تمكن أردوغان فيه من إقصاء كافة خصومه من قيادة الحزب، أمثال الرئيس التركي السابق عبدالله غول، ووزير الإقتصاد السابق علي باباجان، ونائب رئيس وزراء السابق بولنت أرينج، ووزير المالية السابق محمد شيمشيك وغيرهم، كلهم كانوا من المطالبين بالإصلاحات ومحسوبين على التيار الليبرالي، وعين أردوغان مكانهم أناس موالين له في اللجنة المركزية، مثل مستشاره ووزير الاتصالات السابق بن علي يلدرم، وبرهان كوزو المستشار القانوني للرئيس التركي، وبراء البيرق زوج ابنته، ومجاهد أصلان صديق طفولته.
وهكذا عمليآ تحول هذا الحزب من حزب إصلاحي حاكم، إلى حزب أردوغان الحاكم، حاله حال الكثير من الأحزاب في المنطقة، كحزب البعث في سوريا، الذي تحول حزب الحاكم بأمر الله حافظ الأسد وإبنه، والحزب الديمقراطي في كردستان العراق، الذي بات حزب العائلة، حاله حال حزب الدعوة في العراق، وحزب العمال الكوري الشمالي، وغيرهم الكثرين.&
ومن هنا جاء إنتقاد نائب رئيس الوزراء التركي السابق بولنت أرينج، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، بشدة السياسات الأخيرة للحزب، قائلاً: « نحن بوصفنا قيادات قديمة، لسنا ديكوراً، والرئيس أردوغان بشرٌ مثلنا، يُخطئ ويصيب ولا داعي لمعاملته على أنه مُنزّه أو ملهم».
وفي الختام يمكنني القول، بأن حزب العدالة والتنمية الذي عرفناه في بدايته، لم يعد له وجود، وحل محله حزب عائلة أردوغان ومن لف لفهما، ولا أستبعد تفتته بعد رحيل أرودغان عن الحكم.
&
التعليقات