لا يراودني أدنى شك أن كل الذين شجعوا دول التحالف العربي على شن الحرب ضد اليمن إما أنهم أعداءها ولكن ظهروا بمظهر الناصح لها، أو انهم جهلة لا يعرفون كيف يزنون الأمور، أو أنهم متملقون يرددون ما يقوله الآخرون ليحصلوا على ما يسد رمقهم.

لا أدري مدى صدق بعض وسائل الاعلام التي قدرت خسائر دول التحالف في هذه الحرب بمئات المليارات من الدولارات، وربما بالغت بعضها عندما أكدت أن الخسائر تجاوزت الألف مليار دولار، ولكن ظهور بعض المؤشرات تدلل ومن دون ريب على أن اليمن كان فخا كبيرا وقعت فيه دول التحالف، في مقدمة هذه المؤشرات ارتفاع أسعار الكثير من السلع الرئيسية ومن بينها منتجات الطاقة، في عدد من دول التحالف.

عندما وصفت اليمن بالفخ لدول التحالف فكنت أعني ما أقول، اذ سنلمس على المدى القريب مدى التبعات السياسية والاقتصادية التي ستتحملها دول التحالف نتيجة الوقوع في هذا الفخ فضلا عن المدى البعيد، وأقل ما يمكن قوله في هذا الصدد هو انحسار الدور الاقليمي لدول التحالف.

غير خاف أن أحد الركائز الرئيسية للثقل الاقليمي لعدد من دول التحالف هي الثروة التي تمتلكها والتي سخرت جانبا منها لتعزيز نفوذها في المنطقة عبر دعم الأحزاب والمكونات والجماعات بل وحتى الحكومات في دول المنطقة، ولكن مع الخسائر الكبيرة التي تتكبدها دول التحالف نتيجة نفقات الحرب الهائلة على اليمن، فلا يبقى خيار لهذه الدول إلا سحب دعمها للاحزاب والمكونات والجماعات والحكومات مما يؤدي الى انحسار نفوذها.

هذا على المدى القريب أما على المدى البعيد فتلوح في الأفق مؤشرات لكارثة وتحدي كبير تواجهه دول المنطقة، والعنوان البارز لهذه الكارثة هو انخفاض سعر النفط الذي يختزل في طياته الكثير من التحديات التي ستواجهها دول المنطقة، فاذا كان سعر النفط يهبط الى هذا المستوى في موسم انتعاشه وهو موسم الشتاء والبرد فيا ترى الى أي مستوى سيصل سعره بعد الشتاء؟

اسباب متعددة أدت الى انخفاض سعر النفط أبرزها ضخ كميات كبيرة منه الى الأسواق، بمعنى آخر أن العرض أكثر من الطلب، ولكن لنتصور مدى حجم انخفاضه في المستقبل وبالتحديد عندما تزيد دول التحالف من الانتاج لسد تكاليف الحرب على اليمن، وكذلك عندما يرفع الحظر عن ايران وتبدا بتصدير نفطها، مما يعني ضخ المزيد من النفط للاسواق، وأيضا بدء الولايات المتحدة باستخدام مخزونها النفطي خاصة وان الكونغرس أصدر مؤخرا قرار السماح للحكومة باستخدام هذا المخزون.

هذه تبعات الحرب على اليمن والأمر ينسحب على تبعات الحرب على سوريا، فالملفت أن أغلب دول التحالف في اليمن تدعم الجماعات المعارضة في سوريا، ومن المؤكد أن هذا الدعم كلفها مئات المليارات، ولكن ما هي نتائج هذا الدعم؟&

الحوثيون الذين اراد التحالف اجتثاثهم من اليمن ظهروا كمفاوض رئيسي ولا غنى عنه في مباحثات سويسرا، كما أن رحيل الأسد الذي اعتبره الداعمون الرئيسيون للمعارضة السورية شرط اأساسيا لأي تسوية لم يعد حتى شرطا ثانويا.

لو سألني أحد، هل كل هذا الكلام لأنك حزين على انحسار دور دول التحالف وتراجع ثقلها ووزنها في المنطقة والعالم؟ فأقول وبصراحة مطلقة، لست حزينا بتاتا على تراجع ثقل ونفوذ ودور هذه الدول، وانما يعتصرني الألم على أموال الأمة التي أهدرت في اليمن وسوريا، وعلى الدمار الذي لحق بهذين البلدين بغض النظر عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين.

يقال أن أحد أسباب الحرب على اليمن وسوريا هو من أجل حسر النفوذ الايراني في هذين البلدين وعموم المنطقة، ولكن ماذا لدينا في المقابل؟ لدينا&ان دول المنطقة التي خسرت مئات المليارات من الدولارات في اليمن وسوريا، فان اكثر من مئة مليار دولار من أموال ايران المجمدة في الخارج ستعود اليها، واذا كان نفوذ ايران تزايد في المنطقة رغم 12 سنة من أنواع العقوبات التي فرضت عليها، فما بالك بهذا النفوذ بعد الغاء العقوبات وسعي بلدان العالم الى خطب ودها وتقاطر الشركات العالمية على ابوابها؟

اذا كانت دول عظمى فشلت في تهميش دور ايران وفرض عزلة عليها فهل يا ترى ستستطيع دول المنطقة القيام بذلك؟ وبعكس بعض دول المنطقة التي تتحين الفرص لتوجيه الضربات لايران ولا تكف عن التآمر ضدها فان ايران تسعى الى التقارب مع دول الجوار وتؤمن بعمق أن السبيل الوحيد لحل مشاكل دول المنطقة يتمثل بتعاونها وتقاربها، وقد أثبتت التجربة أن دول المنطقة غير قادرة على حل مشاكل المنطقة بمفردها وبمعزل عن ايران، هذه الأزمة السورية أكبر دليل على ما أزعم فبعدما كانت دول المنطقة ترفض اشراك ايران في اي حوار حول سوريا اليوم تضطر الى الجلوس الى جنبها في اجتماع فيينا.

وبكلمة، فان اشراك كل اللاعبين الاساسيين، يعزز فرص حل أزمات المنطقة، ولعل قضية خفض اسعار النفط في متناول اليد ويمكن حلها بالتعاون والاتفاق بين ايران ودول المنطقة، ولكن لو اقتضى أن يكون هناك لاعب اساسي واحد في المنطقة فمن المؤكد انه لن يكون واحد من دول التحالف وذلك للاسباب التي أوردناها آنفا.