ينبهر المرء عندما يلقي نظرة على التقدم العلمي والتقني الذي تستخدمه أغلب دول العالم في كافة المجالات، ولكن عندما ينظر الى الابادة التي تتعرض لها شعوب بأكملها يلمس مدى الوحشية التي تعيشها العديد من دول العالم التي لا تكتفي بتدمير البشر والحجر والشجر وحسب بل انها تكذب وتفتري وتلوي ذراع الحقيقة وتخلق من نفسها الضحية والضحية هو الجاني.

ففي الوقت الذي نشهد فيه سحق اليمن واليمنيين بذريعة اعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي للسلطة فان سوريا تشهد تدميرا ممنهجا بذريعة ازاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة.

في عام 1990 غزا صدام حسين الكويت ومسحها من الخارطة وأعلن ضمها للعراق وحول اسمها الى المحافظة التاسعة عشر بذريعة أن الحكومة الكويتية تسرق النفط العراقي من حقل الرميلة، ولم تمض سوى 12 عاما حتى روجت الولايات المتحدة لذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل فشنت حربها المدمرة ولا يزال العراقيون يعانون حتى اليوم من تبعات تلك الذريعة.

كل الدلائل تشير إلى أن إعادة هادي للسلطة مجرد ذريعة الهدف من ترويجها تدمير اليمن وسحق اليمنيين، فما يقال عن الرئيس الشرعي، لو افترضنا أنه كان يتمتع بالشرعية على الرغم من وجود عدة علامات الاستفهام على شرعيته في مقدمتها انه لم يسمح لأي شخص آخر بالترشح للاستفتاء لذلك فان عملية الاستفتاء عليه كانت ناقصة.

لو تجاوزنا هذه النقطة وآمنا بأنه استلم السلطة باستفتاء شعبي، فهذا الاستفتاء كان يخوله البقاء في السلطة لعامين يهيء خلالها الظروف اللازمة للانتقال السياسي ويسلم السلطة لحكومة منتخبة بعد كتابة الدستور الجديد واجراء الانتخابات، ولكن مضت السنتين وبقي الرجل متمسكا بالسلطة ولم يتم اقرار الدستور رغم مشاركة الأحزاب اليمنية في كافة اجتماعات الحوار الوطني.

لو افترضنا جدلا أن هادي كان يتمتع بالشرعية فهل يجوز لأية دولة أن تدمر دولة أخرى لمجرد أن الرئيس الشرعي لجأ اليها وطلب منها اعادته للسلطة؟ لو كان يجوز ذلك لكان من حق روسيا أن تبيد أوكرانيا عن بكرة أبيها لمجرد أن الرئيس الأوكراني السابق فيكتور بانوكوفيتيش لجأ اليها عندما انتفض الشعب ضده وطلب منها اعادته للسلطة، أو دعونا نفترض أن الشعب العراقي انتفض برمته ضد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي مما اضطره إلى الهروب إلى ايران، ثم طلب من طهران أن تسحق انتفاضة الشعب وتعيده للسلطة، فهل يجوز لها ذلك؟

ثم اننا نسمع الكثير من وسائل الاعلام تقول المخلوع علي عبد الله صالح، ولكن يا ترى من الذي أعاد صالح لليمن معززا مكرما ومنع اليمنيين من ملاحقته قضائيا ومحاكمته عما اقترفه خلال حكمه، رغم أن الثورة اطاحته، أليست هي ذات الدول التي تسميه بالمخلوع وتريد اعادة الرئيس الشرعي، المبادرة الخليجية ذات العشرة نقاط لم تمنع اليمنيين من المساس بصالح وحسب وانما فرضت عليه السماح بالعمل السياسي والترشح للانتخابات وغير ذلك.

لقد عاد هادي إلى عدن ولا ندري متى سيهرب منها ثانية، ولكن من المؤكد أنه لن يحكم اليمن كله لأن حكم كل اليمن بحاجة إلى اجتثاث الحوثيين جميعهم منه، وهذا مستحيل، وبما أن اعادة هادي الى صنعاء أمر مستحيل فعلينا أن نبحث عن أهداف أخرى من هذا الاصرار، وليس هناك هدفا آخرا غير تدمير اليمن برمته.

الملفت أن هذا المستحيل يقابله مستحيل آخر وهو الاصرار على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، فالاصرار على رحيل الأسد والعجز عن تحقيق ذلك يقودنا الى الاعتقاد بأن المصرين يريدون تدمير سوريا وليس رحيله، لأنهم لا يزالون يصرون على رحيله رغم الانتصارات التي يحققها الجيش السوري والهزائم التي يمنى بها المسلحون سواء على يديه أو على يد حزب الله أو الضربات الجوية الروسية والدولية.