خيارات صعبة:

أعلنت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وشركة نوبل إنيرجي الأميركية الاثنين 26 سيبتمبر ايلول 2016 عن توقيع اتفاقية؛ تسري في العام 2019 لاستيراد 40 % من حاجة الشركة من الغاز الطبيعي المسال لتوليد الكهرباء من إسرائيل. وتعتبر شركة الكهرباء الوطنية المستورد الوحيد للغاز الطبيعي للأردن وتقوم بتحويل الغاز إلى شركات توليد الكهرباء التي تنتج 85 % من حاجة المملكة للكهرباء باستخدام هذ الغاز والكمية المتبقية يتم إنتاجها باستخدام الديزل وفقا لاتفاق الحكومة مع مصفاة البترول. وتستهلك "الكهرباء الوطنية" ما يقارب 350 مليون قدم مكعب يوميا؛ وكانت الشركة وقعت في العام 2014 مع شركة "نوبيل انيرجي" الأميركية، المشغلة لحقل ليفاتيان للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية وتسيطر عليه إسرائيل مذكرة تفاهم، بحيث يتم بموجبها توريد الغاز الطبيعي الإسرائيلي للأردن للسنوات الـ15 المقبلة.

وشركة نوبل إنيرجي التي مركزها الرئيسي في هيوستون تكساس هي الشركة الحاصلة على امتياز من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتطوير أحد أحواض الغاز الطبيعي المسال في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي شراكة مع مجموعة ديليك الاسرائيلية.

وحسب شركة الكهرباء الوطنية إن "نتائج الدراسات والتحليلات الفنية والاقتصادية التي أعدتها أظهرت تحقيق الجدوى للغاز المستورد من شركة نوبل".

وبموجب الاتفاق تلتزم الشركة الاسرائيلية بتزويد الأردن ب3 مليارت متر مكعب سنويا على مدار 15 عام. وبقيمة 10 مليارات دولار علما ان مذكرة التفاهم 2014 كانت القيمة 15 مليار دولار وتم تخفيض ذلك الرقم الى 10 مليارات دولار اي بنسبة الثلث. وسيبدأ وصول الغاز للحدود الأردنية عام 2019 او 2020 وسيلبي 40% من حاجة الأردن للطاقة وأشارت إلى أن هنالك توفيرات سوف تتحقق للشركة تتجاوز 300 مليون دولار سنويا مقارنة مع الغاز الطبيعي المسال المستورد من السوق العالمي حين يبلغ نفط خام برنت 50 – 60 دولارا للبرميل وتزداد الوفورات مع ارتفاع أسعار الخام.

وبحسب الشركة؛ ستسهم الاتفاقية بتخفيض التكاليف على شركة الكهرباء الوطنية تجنبا&لارتفاعات حادة في التعرفة الكهربائية على المستهلكين خلال السنوات المقبلة. وبحسب البيان؛ فإن اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين الأردني والإسرائيلي الموقعة العام 1994 في المادة (19) تتضمن بنوذ تنظم العلاقة فيما يخص قطاع الطاقة وتضمنت الاتفاقية ملحقاً خاصاً تحدث عن الربط الثنائي وأنابيب الغاز التي تنظم العلاقة بين الجانبين. وتعود خلفية هذا الاتفاق لعام 2011 حيث مارست وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري آنذاك ضغوطا على الأردن واسرائيل للتوصل الى اتفاق وعقد صفقة.

رحبت اسرائيل وحلفاءها ومؤيديها بهذا الاتفاق لأنه يعزز مكانة اسرائيل عالميا كمصدر للطاقة ويعزز علاقاتها مع جيرانها خاصة الأردن. يعتقد الأميركيون والاسرائيليون انه من خلال صفقات وعقود من هذا القبيل ستتحسن فرص السلام والتعاون في المنطقة.

&

الشارع الأردني يرفض:

الشارع الأردني رفض هذا الاتفاق وشهدت العاصمة الأردنية عمان مسيرات احتجاج وصّوت البرلمان الأردني السابق في ديسمبر 2014 ضد الاتفاق ورفض وادان أي صفقات غاز مع اسرائيل. المعارضون للاتفاق يعتبرونه تطبيع مجاني جاء باملاءات اميركية. هذا كله مفهموم ومتوقع لأن اسرائيل لا تزال تحتل اراضي عربية وتضطهد الفلسطينيين وتنتهك المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس والأردن هي المسؤولة عن هذه المقدسات حسب المادة 9 من اتفاق وادي عربة عام 1994.

في الاسبوع الأخير من شهر سيبتمبر ايلول الماضي شاركت في حوار تلفزيوني يتعلق بموضوع الصفقة كاقتصادي وليس كسياسي وشارك ضيفان من عمّان من المعارضين للصفقة. وسمعت التنديدات والشعارات والاتهامات بأن الحكومة تخدم اسرائيل ولا تخدم المواطن الأردني. وطالبا بشراء الغاز من ايران والجزائر.

وعندما جاء دوري قلت أني لست هنا لأدافع عن الصفقة أولتبريرها بل اتحدث اقتصاديا وعلى هذا الأساس، المنطق يقول أن اي دولة تسعى لشراء الطاقة ستعمل على الحصول عليها من اقرب نقطة جغرافية لوجستيا وبأقل تكلفة ممكنة، لذا اقتصاديا ولوجستيا الصفقة مبررة اذا تم تجاهل البعد السياسي كليا ولكن سياسيا وشعبيا الصفقة غير مقبولة لأن الغاز يأتي من مواقع بحرية تسيطر عليها اسرائيل.

&

خيار الجزائر وايران كمصادر للغاز:

اعترض الضيفان من عمّان بمزيد من الاتهامات للحكومة الأردنية وسردوا جرائم اسرائيل وانتقدوا الحكومة الأردنية بلغة قاسية وطالب أحدهم باستيراد الغاز بأسعار رخيصة من الجزائر وايران بدل اسرائيل. نظرا لضيق الوقت واستهلاك معظمه من قبل ضيوف عمّان لم أتمكن من الرد على جميع النقاط تفصيليا حيث انتهى وقت البرنامج.

ما أود ان اقوله هنا: ان الجزائر تشارك ايران واسرائيل في دعم مجازر بشار الأسد. الجزائر تعاني من مشاكل اقتصادية عميقة وفساد وسؤ ادارة والغاز الطبيعي الجزائري حسب مقترحات ضيف عمّان سيذهب بأنابيب الى مصر ولكن بشرط موافقة مصر واذا تم الاتفاق مع مصر سيأتي الى الأردن. هذا يعني أن هناك ثغرات وفجوات كبيرة في المقترح تجعله غير عملي. اذا وافقت مصر، حسنا، واذا لم توافق؟ ما الحل؟ واذا تم توقيع عقد عادل وغير مجحف، واذا التزمت الجزائر بالاتفاق ولم تستغله للضغوط السياسية هذا جيد. ونتساءل هل ستقطع الجزائر الغاز عن الأردن بعد ظهورأول أزمة سياسية؟

والتساؤل الكبير هل ستوافق مصر؟ واذا وافقت هل تستطيع تقديم الحماية للغاز الجزائري لكي يصل الأردن؟. يعرف الجميع ان الغاز المصري للأردن توقف بسبب اعمال ارهابية وتفجير الانابيب عدة مرات ولم تتمكن مصر من حمايتها لذا انتهت مصر كمصدر للغاز. ومصر ذاتها تتفاوض الآن مع اسرائيل لتلبية حاجتها من الغاز.

والأهم من كل ذلك ما جاء في جريدة الجزائر بتاريخ 6 ابريل نيسان 2015 وهذا ما قالته الجريدة الجزائرية: "رفضت الجزائر طلبا أردنيا من أجل تزويد المملكة الهاشمية بالغاز حيث رفض الطلب الأردني لإعتبارات متعلقة بتعاقد الجزائر مع بلدان أوروبية حيث أكد هذا الرفض الوزير الأول الأردني عبد الله النسور في تصريحات إعلامية نقلتها عنه جريدة "النهار" الأردنية أين كشف النسور ان بلاده قدّمت طلبا للحكومة الجزائرية، نهاية السنة الماضية، بتوريدها شحنات من الغاز لمدة تفوق الـ 15 سنة، إلا أنها قوبلت بالرفض". الجزائر فضّلت توريد الغاز لإسبانيا وإيطاليا.
&

وماذا عن الغاز الايراني؟

أما ايران التي تحتل العراق وسوريا ولبنان وتحتل اليمن جزئيا وتقتل الشعب السوري في مختلف انحاء سوريا وتسلح الحوثيين لقتل الشعب اليمني والهاء السعودية بحرب ضروس لاستنزافها ماليا وعسكريا، وتهدد البحرين باستمرار، هل فعلا ستكون جمعية خيرية تزود الأردن بالغاز الطبيعي لسواد عيون الأردنيين؟ هل ستقوم بتزويد الآردن بالغاز الطبيعي بدون ثمن سياسي؟ ام ستستغله لفرض ارادتها السياسية واحتلال الأردن عن طريق الغاز

وستطالب بتنفيذ مشاريع اخرى لتقوية قبضتها على الأردن؟ او تقدم اغراءات نفطية ومالية للسيطرة على الأردن؟. وكيف سيصل الغاز الايراني للأردن؟ هل عن طريق ناقلات تحمل الغاز المسال للعقبة او عن طريق أنابيب تمر عبر العراق الغير مستقرة وعبر سوريا المشتعلة أم عن طريق الخلافة الداعشية العابرة لحدود العراق وسوريا؟ ألم يقل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مارس آذار: " العراق ولبنان يخضعان لإرادة إيران وان هذه الإمكانية متوفرة في الأردن".

أذا ما هي الحلول والخيارات المتاحة للأردن؟

وكل هذا لا يعني ان اسرائيل هي أفضل مصدر للغاز بالعكس قد تستعمل الغاز للابتزاز والضغط على الأردن بقبول سياسات الاحتلال في فلسطين. لا يوجد حل مثالي لحل أزمة الطاقة في الأردن.

مجموعة مقترحات مطروحة الآن ومنها تطوير مصادر الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والذي قد يساعد في توفير 10-20% من الحاجة ثم الرياح والصخر الزيتي وإنشاء مفاعل نووية لتوليد الكهرباء، إضافة إلى بناء ميناءين لتخزين الغاز المستورد من خلال البواخر. اما الزيت الصخري في الأردن ليس مجديا اقتصاديا لمحدودية الكميات والحاجة الى كميات كبيرة من الماء والتكلفة الباهظة في انتاجه. ولكن كل هذه البدائل سوف لا تحل مشكلة الطاقة في الأردن على المدى القصير والمتوسط.

لذا لا بد من استيراد الغاز والنفط من مصادر موثوقة والمهم هو تنويع المصادر وعدم الاعتماد على مصدر واحد كخطوة احترازية ضد الانقطاع المفاجيء بسبب أعمال ارهابية او ابتزازات سياسية كما فعلت روسيا مع أوكرانيا والتهديدات المستمرة بقطعه من بعض دول الاتحاد الأوروبي ولكن اللجؤ للجزائر وايران سوف لا يحل المشكلة بل سيجلب مشاكل الأردن في غني عنها. الأفضل التعاقد مع شركات عالمية موثوقة ذات خبرة ومصداقية وليس لها أجندة سياسية ولا تمارس التهديد والابتزاز مثل شركة شل او بريتيش بتروليوم (بي بي) لتزويد الغاز للأردن من أي مصادر عالمية وبأسعار عادلة حسب معادلة متفق عليها.

وبالنسبة لاسرائيل أقل ما يمكن عمله هو ارجاء او تعليق اي اتفاقات حتى تثبت اسرائيل نواياها الحسنة بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين وايقاف الاستيطان والامتثال للقرارات الدولية، حينها يمكن الحديث عن عقود طاقة ومحطات تحلية المياه ومشاريع زراعية وصناعية ليس بين الأردن واسرائيل فقط بل غالبية الدول العربية واسرائيل.

موقع الأردن الجغرافي فرض عليها وضعا صعبا للغاية وقلل من خياراتها. المطلوب بعض العقلانية والتريث والتفكير الهاديء وعدم الانجرار خلف الشعارات الغوغائية التي لا ينتج عنها قرارات حكيمة ومدروسة.