تجارب الديمقراطية في الشرق الاوسط قليلة ونادرة، وما تمخض عنها الانتفاضة الشعبية في اقليم كردستان خرج منها الشعب الكردي بكيان سياسي وفق نظامم فيدرالي ديمقراطي، وعملية سقوط النظام البائد في بغداد خرج منها العراقييون بنظام اتحادي تعددي ديمقراطي برلماني، وما تمخض عنه الربيع العربي خرج منه تونس بديمراطية فتية ترسخت بفعل جهود العلمانيين والاسلاميين المعتدليين.

&
ولكن يبدو ان ديمقراطية اقليم كردستان التي ظهرت الى الوجود بفعل انتخابات شرعية واعلان الفيدرالية من قبل الشعب الكردستاني والتي ترسخت على ارض الواقع خلال عقدين من الزمن برغم مرارة الاحداث التي رافقتها الى ان وصلت الى مراحلها الحرجة في منتصف السنة الماضية، حيث ترفع رئيس الاقليم عن ترك الكرسي عند انتهاء ولاياته ونصب نفسه حاكما انفراديا ورئيسا غير شرعيا للاقليم بعيدا عن التوافق فتوالت ازمات سياسية واقتصادية ومالية على الاقليم بلا هوادة.
&
واليوم وبعد ان تم شل البرلمان الكردستاني من قبل رئيس حزب حاكم بمناورة سياسية والذي مر مرور الكرام على الاحزاب الكردية الاتحاد الوطني وحركة التغيير والجماعة والاتحاد الاسلامي، وبعد ان تم شل الحكومة من خلال تجميد بعض وزرائها، وبعد ان تلاحقت واشتدت الازمات على الاقليم وبات شعبنا الكردي يتعرض الى اجواء خطيرة ومخاطر جدية على وجوده ومصيره، وبعد كل هذه الازمات السياسية والاقتصادية والمالية يخرج علينا الرئيس غير القانوني ليعلن انه سيبقى على كرسيه الى حين اعلان الاستقلال، والكل يعلم ان هذه المسألة لم تحظى بتأييد طرف اقليمي او دولي لحد الان وتتسم بخلافات جوهرية بين الاطراف السياسية الكردية، ولهذا فان التلميح الى البقاء وما بقرأ من التصريح هو محاولة جادة احادي الطرف لتثبيت الحكم الانفرادي وارساء دكتاتورية عائلية وحزبية على شعبنا الكردي، وهذا الاتجاه المفروض بالامر الواقع يشكل خطرا جديا على الديمقراطية في الاقليم وفي العراق وفي المنطقة، وان لم تصحو الاحزاب فان بوصلة الاحداث تشير الى العودة الى احضان نمط الدكتاتوريات البغيضة التي سادت قبل ربع قرن من الزمن والتي دفع بسببها شعبنا تضحيات كبيرة.
&
ومما يؤسف له ان رئاسة الاقليم غير الشرعية تحظى بسكوت من قبل اطراف اقليمية ودولية وتتعامل مع الرئيس بحكم الامر الواقع، والكل يعلم ان استحقاقه القانوني قد انتهي ولا يحق له البقاء بالحكم لانتهاء ولاياته حسب قانون صادر من البرلمان، ولا يفهم حال السكوت الحاصل خاصة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والعراق، ولا يفهم ايضا عدم ابداء رأي بهذا الشأن من قبل واشنطن او لندن او بغداد بالرغم من زيارات الوفود الدبلوماسية والعسكرية المستمرة الى الاقليم.
&
وتوازيا مع هذا الامر قال السفير الامريكي السابق في مقابلة ان عملية استقلال كردستان طويلة الأمد وتستغرق عقودا طويلة بسبب تعقيدات المنطقة وممانعات دول اقليمية، والاولوية للاقليم في المرحلة الراهنة والقادمة هو بناء وتظيم النظام الديمقراطي على اسس ثابتة وراسخة بحيث تسم بعملية سلسة لنقل السلطة سلميا وقانونيا دون اي اعاقة بعيدا عن الفروض السياسية والشخصية والعائلية، وبناء وارساء البنية التحتية المؤسساتية للسلطات الممثلة للاقليم.
&
والمشكلة لا تنحصر بتفهم بعض الاسباب الأمنية والسياسية التي تستدعي اللجوء لها للابقاء على رئاسة غير شرعية لفترة محددة لحين الانتخابات المقبلة مثل محاربة التنظيم الارهابي داعش وتلكوء العملية السياسية برمتها في بغداد واربيل، وانما تنحصر المشكلة بعدم الثقة بالسلطة بسبب حزبيتها وفقدان المصداقية بين الشعب ونظام الحكم، وما يلاحظ من اقوال ووعود للرئيس الحاكم لا تنطبق مع افعاله &بخصوص الرئاسة، وما تعرض له البرلمان من عملية شل مقصودة يبدو انها اعدت لها من شهور قبل منع رئيسه من ممارسة العمل كما أشار وتنبأ اليه مسؤول من قيادة الاتحاد الوطني.
&
المهم في الامر ان مخاطر جدية تترتب على حالة استمرار حكم رئيس غير قانوني وان كان هذا الحكم لفترة محددة او كان بنية البقاء مدى الحياة لان عملية استقلال كردستان تحتاج عقودا كما صرح بها السفير الاميركي السابق، والمخاطر هي انهيار العملية السياسية في الاقليم، وتلاشي نظام الحكم الديمقراطي، وارساء حكم انفرادي ودكتاتورية مقيتة على نظام الحكم بفعل القوة والمليشيات الحزبية، وتراجع ملف الاستقلال، والسيطرة الابدية على ثروات وممتلكات واموال الشعب، وغيرها من المحاطر الكبيرة والممارسات القمعية والسلوكيات التسلطية المرادفة للانظمة الدكتاتورية التي زامنت المنطقة لفترة طويلة، وهذا يعني ان الكرد سيتعرضون الى نكسة كبيرة بسبب خروجهم من منظومة الشعوب المحبة للديمقراطية، وهذا ما يضع الاقليم على حافة حروب وأزمات داخلية قد تنتهي بكوارث انسانية على الوجود الكردي في المنطقة.
&
لهذا نأمل من السيد الرئيس غير القانوني التراجع والتسليم بأمر انتهاء ولاياته وترك الكرسي، وعدم الانجرار الى فرض نوايا غير حميدة على الواقع واحتلال كرسي الحكم الى أمد طويل، والتسليم بفراغ رئاسة الاقليم أهون وأسلم للشعب الكردي للحفاظ على خياره الديمقراطي امام العالم وامام المجتمعات الديمقراطية، وفراغ الكرسي لا يعني النهاية ومثل فراغ الرئاسة اللبنانية حي وهو واقع امامنا ولم يحمل خطورة الى يومنا هذا، وتفرغه لقيادة البيشمركة اهون بكثير من تقبل الاحراجات والتعقيدات الحاصلة بشأن استمرار رئاسة غير شرعية دون مقبولية من أغلبية الشعب، والمسؤولية الوطنية تغنينا عن العودة الى المربع الأول، واللبيب تكفيه الاشارة..
&
&كاتب صحافي