&
"غَنّي قليلا يا عصافيري...فإنّي كلّما فكرتُ في أمري بكيتُ"... محمود درويش
&لا الغرب ولا الشرق، ولا القريبون ولا البعيدون، يتحمّلون المسؤولية الأولى عن تدميرنا الداخلي. الإنتحار هو قرار ذاتي تسبقه دروس الإستعداد للموت وفتاوى الإحتقار لقيمة الحياة. ثوراتنا وعقائدنا وحماقاتنا وتاريخنا القريب والبعيد كلّها تقول ذلك. ونفوسنا المعلّبة التي تهفو للعكس من ذلك، تهمس للآخرين بالعكس. ربّما في لحظة صراحة نادرة مع الذات، يلتقي النقيض بنقيضه ،ليعترفا معا بالحقيقة أمام المطلق. النفوس هي تاريخ مختصر. والأجساد وملامح الوجوه والهياكل العظمية وغير العظمية هي سجلّات لا تُدوّن في المناهج المدرسية التي تكرّر المحفوظات والشعارات والأناشيد، وإنّما هي إنفعالات عابرة للقرون، تُحفظ في ذاكرة الفنّان وفي ضمير النحّات وفي حيادية عالم الآثار وفي ثقة الواثقين بالمستقبل. التاريخ هو العراق والعروق والأعراق التي تعايشت دوما بسلام منذ فجر الحضارة الإنسانية، وتماهت مع الحجر والنخيل، ومع الصبر والأنهار. كان ذلك قبل أن يكون لنا عَلم مازلنا نختلف حول ألوانه، وقبل أن يصبح لنا برلمانين أحلاهما مرُّ. الغزاة يكرهون التاريخ. ويحبّون الجغرافيا. لا جديد في هذا الأمر.&
الحبّ والكراهية ينبعان من منبع واحد. الجينات المسؤولة عنهما واحدة. نقيض الحبّ هو اللامبالاة وليست الكراهية. فالأخيرة يمكن أن تعدّل نفسها &مع الزمن، وتصحّح ذاتها وتُخفض من غلوائها في مسعى وجودي نحو التسامح والبحث عن منطقة رمادية تسمح بالإستمرار. الحبّ والبغضاء، والصداقة والعداوة، والحرب والسلام، والحياة والموت، والتاريخ والإسطورة، ليست نقائض بعضها تماما. نقيض الحياة ونقيض الأوطان هو اللامبالاة. فهي أخطر من الكراهية، وأخطر من إنعدام الشعور بالمسؤولية. اللامبالاة هي &صفة النخبة السياسية الحاكمة في البلاد. مخلوقات لم تعد تُحبُّ ولم تعد تَكره. كائنات المسخ التي أُغتيلت فيها مراكز الإحساس والشعور. اللامبالي حين يصل حدّ النكران ويتجاوز حدود السخرية من الجذور لتخريب الماضي. ماضيه الشخصي يقينا. لا يدرك حتما ما معنى أن تكون بلا هوية؟.
الفاسدون بلا هويّات. وبلا أوطان. وبلا أرواح. أرصدتهم هي ثياب الإمبراطور الخارجية التي حالما ستصرخ فيها البراءة الإنسانية من كلّ أعماقها وتقول لهم : أنّكم لستم سوى عُراة، ولستم سوى الثمرة الشريرة للغزاة. وأنتم أحفاد من فتحوا أبواب المدينة طوال التاريخ، وأنتم سليل الذلّ والخيانة والسمسرة. أنتم مَن أسستم أُممية الفساد التي إكتملت نصابها هذا اليوم مع العمائم البيضاء والسوداء. ومع المليشيات والعساكر والعشائر. ومع الأحزاب الفَرحة بالمهرجانات الملوّنة داخل خيمة المأتم. فَرحة حيرى كوحدة اليتيم في عيد المدينة. فرح محشو بأحزان عميقة كعمق المحيطات والبحار. الفاسدون بلا هويّات وهُم هويّاتنا التي لم تُعالج والتي ترفض العلاج لأنّها لا تبالي به ولا تعترف به ولا تمتلك الشجاعة الكافية لمواجهته، بل أنّ مصالحها الرخيصة كأرواحها الأرخص، تقتضي إستمرار المرض.&
الحكاية لم تكتمل بعد. رغم أنّ الستار قد أُسدل على الفصل الثاني من مسرحيتنا التي بدأت منذ زمن طويل. منذ متى بدأت؟. لم يكن الديكتاتور صدّام حسين سوى كومبارس عابر في فصول المسرحية التي أدّى فيها دوره بإتّقان. مقامرا ومغامرا ومنتحرا. ثمّ قال: ليكن الطوفان من بعدي. أَلم أقل لكم منذ البداية بأنّها اللامبالاة؟.
في الفصل الثالث، مفاجآت لا أدّعي مَعرفتها بدقّة. ولا تصدّقوا مَن سيدّعي ذلك. فاللاعبون على حبال السياسة وعلى صراعات المجتمع، هم بدورهم &لا يعرفون كثيرا، هم كالممثلين وكالكومبارس وكروّاد المسرح وكنواب البرلمان الغافي. هم مجرّد بيادق منتفخة بمراكزها البائسة. وكذلك نائبات الدهر التي إبتلينا بهنّ من ماجدات الديكتاتور السابق وممَنّ بَذلن الرخيص والرخيص في سبيل القائد الضرورة وفي سبيل إمتاع ضباطه وحرسه الجمهوري في إجازاتهم. هل يمكن أن نصدّق ذلك؟. وهل يمكن أن لا نفقد الأمل؟. كلّ شيء ممكن حين نبالي.
باريس&
[email protected] & & &&
&&
&
التعليقات