&
بالإمكان، وطبيعي، ان لا ترضي بعض السياسات الخارجية الفرنسية هذا المحلل او ذاك. وممكن ان يقال ان في فرنسا كما في أنحاء اوربا الغربية، تيارات عنصرية ، ولكن القانون والمجتمع ووسائل الإعلام تقف ضدها... وممكن ايضا ان لا يعجبنا أداء الرئيس هولاند ومحاولة احتكاره لكل الصلاحيات &والتصرف وكأنه نظام رئاسي، كما يفعل اوباما في تحديه أحيانا للكونغرس المنتخب. وهناك كتل سياسية يمينية متطرفة تطالب بوقف كل انواع الهجرة، ومنهم من يذهب ابعد وابعد...هذه الملاحظات وأمثالها مقبولة وكثير منها صحيح. اما محاولة تسريب اليقين الزائف بان فرنسا عنصرية، ولا سيما في مسائل الهجرة، واتجاه العرب والمسلمين، فكلا ، ثم كلا... ولكن ذلك ماحاوله بسلسلة اسئلته(اليقينية) منفذ برنامج (اليس كذلك).. في فضائية عربية معروفة، وذات مصداقية في كثير مما تبثه... الإعلامي المبجل يستعمل عبارة (واليس كذلك) بدلا من عبارات مثل هل هذا صحيح.. او ما رأيك...فيكون البرنامج اكثر تواضعا واقل تعاليا... وهناك يمكن توجيه اسئلة وملاحظات منها على سبيل المثال: لو كانت فرنسا عنصرية وجحيما للمسلمين والمهاجرين، فلماذا يتدفقون الافا والافا الى فرنسا بالذات، وبلا انقطاع؟ وكيف حدث ان تكون في فرنسا (العنصرية) هذه نفسها اكبر جالية مسلمة في الغرب كله(حوالي 5 مليون او اكثر)؟ كيف يحدث ياترى، ان لا يحذر المقيمون &مواطنيهم في المواطن من القدوم الى بلد يمارس العنصرية؟؟؟ وهل حدث ان امراة تعرضت لاعتداء لكونها محجبة، في حين اقدم مراهق مسلم على طعن استاذ يسير في الشارع لمجرد لبسه لطاقية راس تدل على يهوديته؟؟ والارهابي محمد مراح قتل 4 تلاميذ صغار لكونهم من اليهود. وما ان تتوتر العلاقات الاسرائيلية - الفلسطينية اكثر تسير مظاهرات في باريس تهتف (الموت لليهود) ... وفي فرنسا اكثر من 2000 مسجد وقاعة صلاة فليقل لنا صاحب (اليس كذلك) ما هو عدد الكنائس في العالم الإسلامي كله؟؟ نعم كله، &ولعل السيد المحترم لو ذهب بنفسه الى أي مجمع لدور سكن البلدية، لوجد ان ما لايقل عن 90 % من ساكنيها هم من أبناء الهجرة كذلك لو فتش عن هويات موظفات وموظفي المخازن الكبرى، وعن عدد أبناء الهجرة في وظائف مختلفة، حتى في الشرطة والتامين الصحي. و(العنصرية) إياها هي التي سمحت لمسلمات فرنسيات بتبوء مناصب هامة، منها وزارة العدل ووزارة التعليم ، وثمة يساريون فرنسيون متطرفون، يشاطرهم بعض العرب، من يرون ان حالة الطوارئ في مواجهة هجمات جرائم داعش (انتهاك للحريات الشخصية) . لقد أعلنت فرنسا حالة الطوارئ بعد سلسلة جرائم داعش على الأراضي الفرنسية عام 2015، والتي ذهب المئات ضحايا من قتلى وجرحى . أعلنت فرنسا أنها في حالة حرب ضد حرب داعش على سلامة الفرنسيين وعلى البشرية كلها والحضارة. وفي حالات كهذه، لابد من إجراءات صارمة وحازمة بشرط ان لا يكون تطبيقها بتعسف وارتجال، ومن ذلك مثلا، حالات التفتيش التي يتطلب في الحالات الاعتيادية إذنا بذلك من حاكم التحقيق. والحديث عن العنصرية يقودنا أيضا الى قانون مكافحة التمييز، الصادر في عهد ميتران، والذي فيه ثغرات كثيرة، ومن ذلك انه يسمح لكائن من كان ان يتهم الأخر بالعنصرية لمجرد عبارة تفوه بها في حديث خاص مع صديق له في مقهى او مطعم – أي في لقاء شخصي بحت، وبدون تحريض فاضح على الكراهية او العنف.. الملاحظ انه عندما يقدم عربي او فرنسي اسود على اقتراف جريمة ما ، حذروا وسائل الإعلام الفرنسية ، ولا سيما التلفزيون من ذكر اسمه او أصله، الا عندما تكون الجريمة كبرى وبضحايا كثيرين ، كما مع جرائم عام 2015 ، وحيث ان المجرمين أنفسهم قد كشفوا عن أنفسهم وهويتهم... وقد أصبح الحذر من تهمة العنصرية سلاحا نفسيا ضد أفراد البوليس في كثير من الحالات. واذكر زيارتي عام 1999 لمقبرة الحيوانات في الضواحي، حيث كانت تجري من أسبوع لأسبوع سرقات قطط تحميها البلدية ، وذات صباح دخلت ، فإذا برجال بوليس البلدية موجودون، سألت احدهم (ما الأمر) قال هذه المرة سرقوا حتى أجهزة الكومبيوتر. قلت من هم؟ قال ( ثق اننا نعرفهم فردا فردا، ونحجم عن اعتقالهم خوفا من اتهامنا بالعنصرية). ان واجب بعض وسائل الإعلام العربية ان تكف عن توجيه تهمة (التأمر) على الإسلام والمسلمين للدول الغربية. وان لا تواصل الحملة على دول غربية لا تستطيع استيعاب مزيد من المهاجرين، الذين دخل مليون منهم اوربا بالغربية ، وفي التقديرات ان مليونا اخر قد يصلون اذا واصلت تركيا لعبتها الخطرة لفتح الأبواب في عملية ضغط سياسي وابتزاز على الاتحاد الاوربي. يكفي فرنسا والغرب ما لديها من عاطلين وأزمات سكن وعجز مالي.. والحملة يجب ان تنصب على الأنظمة الدكتاتورية والمجموعات الإرهابية في المسؤولية عن الهجرات المليونية.. وليس صحيحا تشجيع إخلاء بلداننا من الطبقة الوسطى ، وما يعنيه من هجرة الكفاءات، بل يجب التشجيع على مقاومة العسف والفساد واستخدام الدين سلاحا سياسيا. وعليهم إدانة صارمة لما تعرض له المسيحيون ويتعرضون في منطقتنا وفي افريقيا، على أيدي أوباش الإرهاب الجهادي. فالملاحظ ما يشبه صمت الصحافة والحكومات العربية والإسلامية ، الا نادراً.. عن التعرض لهذه الموجات من ملاحقة المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى. اما ما تفعله حكومات عربية وإسلامية في فرنسا ، مثلا، فهو التزاحم على كسب شرائح المسلمين، مما يشجع الخلافات والخصومات بينهم ، حتى لقد انعكس ذلك حتى في انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ، وعميد مسجد باريس الكبير. حيث ان التنافس مثلا بين المغرب والجزائر ، والتحرك التركي ، ودور الإخوان المسلمين... وكل هذا يعرقل الاندماج الصحيح في المجتمع الفرنسي ، ذلك الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية للمسلمين. وحين يتحدث حكام فرنسا عن هوية فرنسا ، أي الأصول الحضارية ، فليس في ذلك تمييز ما ضد الإسلام في فرنسا. صحيح ان قلقا متزايدا بين سكان الغرب الأوربي الأصليين، من المسلمين بسبب ما يسمعه المواطن من انتهاكات الأنظمة الدكتاتورية وجرائم القاعدة و داعش وفروعهما وكل ذلك باسم الإسلام. والمواطن الفرنسي او البلجيكي مثلا ليس خبيرا في معنى الإسلام وتاريخ الحضارة الإسلامية ، ليتأكد تماما بان ما يجري لا علاقة له بالإسلام، كدين، وإنما ممارسات وجرائم ذات أهداف سياسية ونابعة من الكراهية لكل من لا يتفق معهم.
اخيرا فلنطهر ما أمام بيوتنا قبل ان نرمي الآخرين بالحجارة.