&

اليوم أعاد بعض العرب الاكتشاف المعروف، ان تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وكأن هذا الاكتشاف درة غير معروفة لحد الان. وبدأ البعض يكيل الاتهامات المختلفة لاردوغان، وكانهم كانوا يتوقعون منه ان يحارب بدلا عنهم ويحرر ما يريدون ومن ثمة يقول لهم، تفظلوا فقد أنجزت واجبي، وانتظر ان ترضون عني. ولكن اردوغان بالنهاية انسان، والانسان يبحث عن مصالحه، فبعد ان شاط وتعنتر وهدد، شاهد بام عينيه حلمة ليس في حكم تركيا القوية، يكاد ان ينهار ويزول، تركيا نفسها كانت مهددة بالانقسام، فمن الشمال الشرقي روسيا ومن الغرب اوربا ومن الجنوب الكورد وسوريا ومن الشرق الجارة اللدود حاملة لواء الشيعة ايران، وكل مكشر ومبرز الانياب نتيجة أخطاء الخليفة اردوغان. لم يبقى امامه الا التراجع مع بعض حفز ماء الوجه ليحقق الاخرون مبتغاهم في السير قدما، ولتحقق تركيا اردوغان ولو استقرار نسبيا وزمنيا.

&وقع كل من بن علي يلدرم وبينامين نتنياهو اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل في روما. طبعا كل طرف من الأطراف المشتركة في هذا الاتفاق، ابرز الجوانب التي تهمه والتي تظهره محققا لمبتغاه، فتركيا تبرز التعويضات البالغة واحد وعشرون مليون دولار، عن قتلاها وجرحاها، وتظهر إمكانية ادخال المواد من خلال ميناء اشدود وكذلك بناء بعض المرافق الصحية والتنموية لقطاع غزة، ولكن بالعودة الى ما ظهر سابقا وحتى بعيد وقوع الهجوم الإسرائيلي على الباخرة التركية، ان إسرائيل كانت قد اقرت هذه الأمور، وكان الاعتذار قد قدمه بنيامين نتنياهو في اذار 2013، أي قبل اكثر من ثلاثة سنوات. اذا اهم مطلب واكثره أهمية والذي طبل وزمر له السيد اردوغان وهو رفع الحصار البحري عن قطاع غزة، والذي وضعه كشرط أساس للمصالحة، لم يتحقق، بل ما تحقق هو منح تركيا، معاملة كمعاملة دولة قطر، حق ارسال المواد التموينية لقطاع غزة وتحت اشراف إسرائيل.

إسرائيليا، أيضا ركزت على نقطة عدم رفع الحصار، بمعنى انها لم تقدم تنازلات مهمة لتركيا، وكان الاتفاق بحق خطوة ايجابية تحسب للسيد نتنياهو، في المجال الاقتصادي وهو الأهم باعتقادي إسرائيليا، لانه سيسمح للغاز الإسرائيلي بالعبور من تركيا الى اوربا، ومن هنا ستصيب إسرائيل وبخطوة واحدة عصفوران بحجر واحد، والعصفورنا، هما ربط تركيا اقتصاديا بإسرائيل والغاز القادم منها، وربط اقتصادها باقتصاد اوربا بروابط امتن واضمن. واذا كان لهذه الخطوة بعض المحاضير ومنها القدرة اكثر من اوربا للضغط على إسرائيل في بعض الملفات السياسية وبالأخص الضفة الغربية، وضرورة تقديم بعض التنازلات فيها وخصوصا في مسألة المستوطنات وتوسيعها، الا ان طموح إسرائيل في تبوأ مكانها في حلف شمال الأطلسي والذي ضمنت عدم معارضة تركيا له من خلال هذا الاتفاق، يستحق تنازلات سياسية، مقابل تقوية امنية ودفاع من قبل دول متقدمة وتصم دول كثيرة.

التداعيات السريعة للاتفاق واسرعها كان، تقديم السيد اردوغان لاعتذاره واستعداده لتقديم التعويضات المستحقة لما قام به من اسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية، وكان هذا شرطا روسيا على حليفتها الموثوقة والغير المعلنة في المنطقة، إسرائيل، للقبول بتمرير الاتفاق التركي الإسرائيلي. والظاهر ان تقديم الاعتذار كان أيضا محاولة مسبقة لقبول روسيا بربط خط الغاز الإسرائيلي بالروسي المار في تركيا الى اوربا والمزمع البدء بتنفذه عام 2017.

سياسيا، حصلت تركيا على مباركة واشنطن المسبقة على الاتفاق، وهذا امر مهم لكي يسير الاتفاق على السكة، ولكي تتمكن الدولتان من ربط مسراهما مع الخطط الامريكية. كما ان الاتفاق فرض على تركيا ردع حركة حماس وعدم القبول بقيامها باي نشاط عسكري او إرهابي معادي لإسرائيل، وتحويل دفة التوجهات السياسية نحو محاربة الإرهاب والذي كان بعضه يحضى بدعم تركي، ان لم يكن موجها منها. والانتصار التركي او النتيجة الغير الملحوظة والتي قد تكون من نتائج هذا الاتفاق، هو ان على الكورد وخصوصا كورد تركيا وسوريا، ان يكبحوا بعض طموحاتهم، فإسرائيل تختار مصالحها من خلال طرف اكثر قوة وقدرة على الاستمرار وكما قلنا على المدى المنظور.

الامر الغير الملاحظ وان كان قد تم ذكره، هو ان أوراق السيد اردوغان الإسلامية، تم تعريتها وكشفها وتجارته بالإسلام أوضحت ان الأهمية لديه هي المصالح الذاتية ومن ثم الوطنية التركية، وان كانت أيضا من منظوره الخاص، وفي الوقت ان الاتفاق قد يمنحه بعض الدعم من بعض الأطراف العلمانية في تركيا، الا انه إقليميا، كما روج له الاعلام كمنقذ او القائد الجديد او المخلص ورائد التجديد في الحركات الإسلامية، قد انهار. وهذا له تداعياته التي قد لا تؤثر على الاتفاق المعقود، ولكنها تؤثر على بقاء السيد اردوغان نفسه، فهو وبمرور الوقت يصبح ورقة محروقة وبلا أي رتوش مما يسهل تغييره والاتيان بطاقم تركي جديد، يسير حسب الوقائع على الأرض وليس حسب طموحات جياشة تغذيها أوهام الأيديولوجيا.&

[email protected]

&