&
يكاد لا يختلف إثنان على أن العلاقات الأمريكية ـ التركية تشهد مرحلة صعبة على خلفية الأحداث في سوريا. و ليس ثمة ما يشي بإمكانية حدوث إنفراج في المرحلة القريبة القادمة، بسبب تواصل الدعم الأمريكي ل « وحداث حماية الشعب»، الذراع العسكري &لحزب « الإتحاد الديمقراطي »، في محاربة تنظيم « داعش».&
و جاء التفجير الإنتحاري، الذي نفذه شاب من حركة « صقور تحرير كردستان »، في 17 فبراير/شباط الماضي، في أنقرة، و أودى بحياة عدد كبير من الضباط و العسكرين الأتراك، ليزيد من حدة الخلاف بين أنقرة و واشنطن، بعد أن حمّلت تركيا «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الإتحاد الديمقراطي»، مسؤولية التفجير. و كمؤشر على تباعد مواقف البلدين من التطورات الجارية في سوريا، كرر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طلبه من إدارة الرئيس باراك أوباما، بضرورة الإختيار بين تركيا و حزب « الإتحاد الديمقراطي ». و ذلك، بعد أن سبق تفجير أنقرة، تقدم كبير حققته «وحدات حماية الشعب» الكردية في ريف حلب الشمالي، على حساب فصائل المعارضة السورية المدعومة من قبل تركيا، و إقترابها أكثر من المنطقة الحدودية، التي كانت تركيا تطالب بإنشاء منطقة آمنة فيها، بذريعة إيواء اللاجئين السوريين، بينما كان الهدف منها، عملياً، منع قيام كيان كردي في شمال و شمالي شرق سوريا، التي يطلق عليها الكرد إسم «غربي كردستان » أو إقليم « روزافا ».
&و عليه، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في وضع، يصعب التوفيق بين علاقاتها مع تركيا، الحليف منذ زمن بعيد، وعضو في حلف شمال الأطلسي « ناتو»، و الكرد، الذين أثبتوا أنهم حلفاء جدد، يمكن الوثوق بهم، و بخاصة، في السنوات الأخيرة الماضية، منذ أن باتوا يشكلون عنصر إرتكاز مهماً في السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، سيما في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين في العراق في 2003، و مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على بناء عملية سياسية متوازنة في العراق، مقابل النفوذ الإيراني، فضلاً عن الفعالية التي أظهرتها القوات الكردية في سوريا في محاربة « داعش»، حتى باتت الجهة الوحيدة التي يمكن الإعتماد عليها، بعد الإنتصارات التي حققتها في كافة المعارك التي خاضتها مع « داعش » في سوريا.&
&مع ذلك، و رغم ما تشوب العلاقة من صعوبات و خلافات، إلا أن الإدارة الأمريكية ما تزال تحاول الابقاء على علاقاتها مع تركيا، من خلال إمسال العصا في المنتصف. و ذلك، عبر التأكيد على إعتبار حزب« العمال الكردستاني » حزبا ً إرهابياً، و نفي الصفة نفسها عن حزب « الإتحاد الديمقراطي » و ذراعه العسكري. و برغم من إمتعاض أوساط كردية من الإزدواجية الأمريكية تجاه قضية الكرد على طرفي الحدود، إلا أنه كان جلياً، أن حزب «الإتحاد الديمقراطي» يدرك صعوبة الموقف الأمريكي، و إستحالة قيام الإدارة الأمريكية بقطع العلاقات مع تركيا، لسواد عيون الكرد، على أمل أن تقدم تركيا على إرتكاب المزيد من الأخطاء الإستراتيجية، سواء في سوريا أو العراق، و تتحول إلى حجر عثرة في طريق المصالح الأمريكية، الأمر الذي سوف يجعل من كفة الميزان تميل لصالح الكرد، مما حدا بقيادة «الإتحاد الديمقراطي» إلى التنسيق المتزايد مع الأمريكيين، و عدم الإقدام على أية خطوة من شأنها إحراج الإدارة الأمريكية.&
إذ ثمة قناعة، اليوم، في الأوساط الكردية، عموماً، أن تحقيق تطلعاتها، يتوقف على حسن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، و أن تمتينها، تتطلب روية، و رصد دقيق لإتجاهات السياسة الدولية الأمريكية، و محاولة أيجاد نقاط تلاقي معها، بغية الإنتقال من علاقة مصلحة وقتية، الى مرحلة العلاقة الإستراتيجية.
أما من جهة أمريكا، فإنها تدرك ما يطالب به الكرد، ما ترفضه تركيا في سوريا. و هي من حيث المبدأ، ليست ضد فكرة قيام كيان كردي، مستقل ذاتياً، في شمالي سوريا، كما في العراق، لكنها، بالمقابل، تعي العوائق و العراقيل التي تقف أمام تحقيقها، و تجد في الموقف التركي تحدياً جدياً. لذلك، تحاول أن تصور العلاقة مع الكرد في إطار محاربة داعش، دون الكشف عن أفاقها الأخرى، و هو ما يشكل مصدر قلق كبير لتركيا، التي تعتبر أن التحركات الأمريكية تهدف إلى إستكمال مشروعها التقسيمي، إنطلاقاً من سوريا، و هو هاجس، لم يتردد الرئيس التركي، أردوغان، في التحذير منه قائلاً: &أن بلاده لا يمكن أن تسمح بتكرار الخطأ مرة أخرى، في إشارة إلى قيام كيان كردي، شبه مستقل في شمال العراق.&
لذا، و في ضوء التهديدات التي تعتبرها تركيا خطراً على أمنها القومي، فإنه لم يعد مهماً بالنسبة لها، مصير الرئيس السوري بشار الأسد، و لا بقاءه أو رحيله عن السلطة، بقدر إهتمامها بعدم قيام إطار سياسي و قانوني للكرد السوريين على حدودها الجنوبية، على غرار كردستان العراق. و رغم الشعور المتزايد في أنقرة، أنها باتت خارج نطاق التأثير على الأحداث في سوريا، أقله بسبب أولويات أمريكا في سوريا، التي لا تتقاطع مع الرغبات التركية، و كذلك التدخل الروسي المباشر، و العلاقة مع موسكو بعد أسقاط طائرتها العسكرية، و ليس أخيراً، التغيرات التي حدثت على الأرض،أخيراً، بسبب تقدم القوات الكردية، إلا أنها ما تزال تلوح بخيارات أخرى في مواجهة هذه المعطيات، منها إحتمال القيام بعمل عسكري، تحت غطاء عربي ـ إسلامي مع المملكة العربية السعودية و دول أخرى في سوريا، بذريعة محاربة تنظيم «داعش»، و لكنها في الواقع، تهدف إلى إفشال تفاهمات محتملة، ربما إتفقت بشأنها أمريكا و روسيا خلف الكواليس، لا يندرج ضمنها أي بند، يتعلق برحيل النظام السوري الحالي، مع إحتمال كبير لجعل سوريا، مستقبلاً، دولة فيدرالية، كمخرج وحيد للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهي الفرضية التي لا تريد تركيا سماعها، مطلقاً، في سوريا.&
لهذا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها مضطرة للتعامل بحذر، عندما يتعلق الأمر بحليفين لها، لا تجمعها سوى مشاعر العداء؛ فهي لا تريد أن تخسر تركيا نهائيا، و بخاصة، في هذه المرحلة، لأن بإمكانها أن تسبب صداعاً شديدأ لحلفاءها في أوروبا، من خلال إستعمال ورقة اللاجئين، بعد أن باتت قضية الساعة بالنسبة إلى الرأي العام الأوروبي، و من جهة أخرى فإنها لا تتصور أية عملية فعالة و مجدية ضد الإرهاب في المنطقة، بدون الإعتماد على القوات الكردية، التي أثبتت فاعليتها، إلى حد الآن، في كل مواجهاتها مع تنظيم « داعش»، سواء في سوريا أو العراق.&
&
كاتب كردي سوري & &
&