خلال مشاركته في منتدى "أسبين الأمني" السنوي، يوم السبت الثلاثين من الشهر المنصرم، صرح "جون برينان" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكي (CIA)إنه غير متفائل بشأن مستقبل سوريا، ولا يعرف اذا كان يمكن او لا يمكن عودة سوريا موحدة مرة اخرى. هذه ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها "برينان" عن تقسيم سوريا، فقد سبق ان صرح بمثل هذا القول خلال مؤتمر حول الاستخبارات نظمته جامعة "جورج واشنطن" في العاصمة الفيدرالية الأمريكية يوم الثلاثاء، 27 اكتوبر 2015م، حيث قال: "عندما انظر الى الدمار في سورية وليبيا والعراق واليمن يصعب علي ان اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة او سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية".
وفي المؤتمر نفسه (اي المنعقد في واشنطن)، ادلى مدير الاستخبارات الفرنسية "برنار باجوليه" بتصريح حول الشرق الاوسط، قال فيه: "الشرق الاوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة، نحن نرى سورية مقسمة على الارض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد، اي ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها "داعش".&
عندما يكرر "برينان" القول أنه لا يرى إمكانية ان تعود سوريا دولة موحدة كما كانت، وهو في اعلى موقع استخباراتي في العالم يمكنه من الحصول على معلومات ومعطيات تجعله يصل الى مثل هذه القناعة بإمكانية تقسيم سوريا، بل وربما بلدان عربية اخرى.&
كل المؤشرات على الارض حاليا تشير الى امكانية حدوث مثل هذا التقسيم، ولا يوجد سوى حلان لتفادي هذا القدر المحتوم. الأول هو الحسم العسكري لصالح احد الاطراف، ولكن لا يبدو في الأفق بعد خمس سنوات من الصراع العسكري أن بإمكان احد الاطراف تحقيق ذلك لصالحه. اما الحل الآخر فهو عملية انتقال سياسي سلمي، وهذا الحل، لا يبدو في الأفق حاليا ما يشير الى إمكانية تحقيقه بسبب ما يسمى "عقدة بشار الأسد". النظام الحاكم وحلفاءه الروس والايرانيون مصرون على بقاء "بشار" وانه جزء من الحل، بينما المعارضة وحلفاءها من الدول الاقليمية مصرون على إزاحته ويعتبرونه جزء من المشكلة. اما الموقف الأمريكي وبعض الدول الغربية فموقفهما من "بشار" متذبذب وغير واضح بشكل صريح.&
في ظل هذه الظروف الحالية لا يبقى سوى عملية التقسيم، وكل ما يحدث على الارض حاليا ما هو إلا إنضاج لهذه العملية التي تصب في مصلحة اسرائيل أولا وأخيرا، وتهيئ لتحقيق الشرق الأوسط الكبير، المصطلح الذي اطلقته إدراة الرئيس الأمريكي "جورج بوش – الإبن" في عام 2004م على منطقة واسعة تضم كل البلدان العربية، إضافة الى تركيا، اسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان، والفوضى الخلاقة التي روجت لها "كونداليزا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة.&
ليس سوريا هي الدولة الوحيدة التي تواجه احتمال التقسيم بسبب الحرب الأهلية التي تدور رحاها منذ خمس سنوات، بل هناك دولا عربية اخرى كالعراق وليبيا واليمن معرضة لمواجهة نفس المصير. وحتى لو لم يتم تقسيم هذه الدول جغرافيا فإنها واقعيا منقسمة ديموغرافيا على أسس دينية ومذهبية وقومية، اي انها شعوبا متنافرة وكارهة لبعضها البعض، ولن تتوانى عن تدمير اوطانها. لذا، اعتقد ان هذه الدول، وقد تنضم اليها دول عربية اخرى في المستقبل غير البعيد، سوف تعاني الأمرين، اي إما التقسيم الجغرافي او الحروب الأهلية لسنوات طويلة او الاثنين معا كما حدث في السودان. ثورات او انتفاضات الربيع العربي (سمها ما شئت) كشفت عن مكنونات النفوس، ووسائل التواصل الاجتماعي عرت العقول والقلوب وما يختمر بداخلهما من حقد وكره وضغينة.&
الحل الأمثل لإستقرار الدول العربية هو إعتماد مبدأ الدولة الديمقراطية المدنية القائمة على أساس فصل الدين عن الدولة، وعدم السماح بتشكيل أحزاب سياسية على أسس دينية، والتدوال السلمي للسلطة، واستقلال القضاء، واحترام الحريات الشخصية، واعتماد الفيدرالية ضمن الدولة الواحدة في الدول ذات القوميات المتنوعة.&
يقول الشاعر:
إن القلوب إذا تنافر ودهامثل الزجاجة كسرها لا يجبر
هذا هو حال اكثر الشعوب العربية في الوقت الحاضر.&
التعليقات