&أصبح الحديث عن الوحدة العراقية ضربا من الحلم الوطني، أو رحلة استعادية لمفاهيم سادة قبل 2003، ثم بادت في زمن " الديمقراطية " ودستورها النابش في كل موارد الخلاف والتشتت والتجزئة، يضاف لذلك إنغلاقا ً في الرؤى السياسية لأحزاب لم تزل تلتحف خطاب ومشاعر المعارضة والإقصاء، وليس قيادة دولة ووطن.

الاشكالية تكمن في توجهات الطبقة السياسية الحاكمة وعقليتها الإدارية أزاء ملفات وطنية كبيرة ومصيرية، مثل مشروع المواطنة وتوزيع الثروات وفلسفة الحكم ونظام الدول والحقوق والحريات،وغيرها من تشريعات وقوانين تؤلف بنية الوطن الواحد، وتستكمل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تجعل فكرة المواطنة والوحدة العراقية أحدى أركان هوية الوجود الوطني.

&لكن تشرذم العقل السياسي وإنكفائه طائفيا ً في تداول قرارات تتعلق بالشأن الوطني، مثلا تكريس جهد الدولة للمناسبات الطائفية وتعطيل البلاد، سبب لايغلق الآفاق عن أهداف وحدة المشاعرالوطنية وحسب، بل يشارك بنحو فاعل في تجزئة هذه المشاعر وتقسيمها بحسب الإنتماء المذهبي أو الطائفي، كما يدفع الآخر للبحث عن دعامات لوجوده الطائفي في مناسبات موازية، لكنها في الحقيقة تحفر عميقا ً بواقعية التمزق واستعداء الآخر...!

مايدعو للإستغراب ان العملية برمتها لاتخدم الحاضر المأزوم بجميع مستوياته، أوتخفف من غلوائه، بل تغلّب الهامشي والضار على الدافع للوحدة والتقدم وبناء السلم الإجتماعي.

&وبقدر مايؤشر سلوك الأحزاب الحاكمة الى تفكيرها بالحفاظ على جاذبيتها الطائفية المتسلطة، والمستظلة بخيمة المظلومية المتوارثة، فأن الآخر الشريك يحاول أن يهرب وينظم طريقة للإنفكاك والتخلص من الهيمنة وقمع القوي المتسلط على القرار اللاوطني، في مشروع الإستقلال عبر مسمياته المتعددة(فيدرالية، انفصال، استقلال )!

&وإذ يمثل الأمر هزيمة صريحة عن فكرة الوحدة الوطنية،فأنه يعبر عن مشروعية الحق في العيش بعيدا َعن الدكتاتورية، وهي تعيد انتاج نفسها عبر أحزاب طائفية تتوسل "الديمقراطية" في استلاب السلطة بالانتخابات المزورة، أو قوة الميليشيات أن تعذر عليها الطريق الأول.

&ان الموقف السياسي أزاء معركة الموصل وتحريرها من "داعش" يكشف بوضوح عن عمق الأزمة الوطنية التي تحدثنا عنها بإقتضاب شديد، ففي الوقت الذي تتنافس الأطراف العراقية الشيعية والسنية والكردية، وتخوض حربا ً إعلامية ضد بعضها، على من يشارك مع قوات التحالف الدولي في تحرير الموصل وفرض سيطرته فيها بعد التحرير، تعذر على هذه الأطراف أن تتوحد وتندمج بموقف ساند للجيش العراقي والحكومة، والأسوأ من هذا أن عددا من السياسيين العراقيين واكثرهم نوابا ً في البرلمان العراقي، صار يقترح فكرة تقسيم الموصل الى أربع أو خمس محافظات سنية وشيعية وكردية ومسيحية وايزيدية وبقية الأقليات؟

أزمة العقل السياسي المتسلط في العراق عبر أحزابه الطائفية والعرقية، صارت تقيم متاهات وتحفر أنفاقا ً معتمة لحاضر ومستقبل الواقع العراقي، هذه الكارثة العراقية صارت تكبر مع استمرار الزمن، وتكتب شهادة الوفاة للعراق الواحد.

[email protected]