عندما أرى أو أسمع كائناً ما ، ينتمي إلى فصيلة الإنسان ويمارس رفضاً وكراهيةً وتوحشاً ضد الآخر . لا أزعل عليه بقدر ما أزعل على حظي العاثر الذي جمعني بهذا الكائن المتوحش الخائف الضعيف في عصر يبعد (عمراً لا فكرا) عن عصور الظلام قرونا.
الإنسان المتوحش كائن غير سليم الفكر والإيمان والوعي ، يشبه الحيوان المتوحش في كونهما لا يرفضان وجود الآخر ويعتديان عليه بتوحشهما رغبة في الإعتداء بقدر ماهو خوف مرضي من ذلك الآخر ورغبة في الدفاع عن الذات المرعوبة.
لأن المتوحش كائن خائف لم ينسجم مع ذاته بل يكرهها ويرفض الإعتراف بها في اللاوعي ،لكنه يمارس ذلك الرفض والكراهية لذاته عبر رفضه وكرهه للآخر ، ويخلق التبريرات التي تدفعه أن يمارس توحشه وعدوانه اللامبرر ،كدفاع الخائف الجبان ، وليس كقوة المقاوم الواثق من سلامة موقفه و قوةحجته.
وذلك الإنسان ككائن متوحش وغير راضٍ ولا منسجم مع ذاته يلجأ إلى الدين أو العرف القبلي أوالأيديلوجي ويمارس إسقاطه وتوحشه ضد الآخر ،كي يبرر إعتدائه اللفظي أو الجسدي. وتجده لا يؤمن إيماناً صادقاً فيما يدعيه من دين أو فكر أو عرف بل يتهم الآخرين الذين يختلف معهم فيإيمان أو معتقد بالكفر والزندقة وغير ذلك من الإسقاطات التي تنطبق عليه دون أن يعي ذلك ،كحالة إسقاطية لا شعورية لم يدركها وعيه المغيب بسبب مخاوفه وخرافاته وضحالة ثقافته وفكره وإيمانه المزيف ولأنه رَهَنَ عقله عند راع يقوم بالتفكير نيابة عنه حتى لو كان ذلك الراعي كتاباً منمخلفات عصور مظلمة كتب صفحاته كائن آخر مصاب بمرض الخوف وكراهية الآخر . فيبرر دوافع كراهيته للآخر حسب مايوحي له ذلك الشعور الملوث الذي أصبح مع مرور الوقت معتقداً إيمانياً مقدساً يدافع عنه بكل شراسة كل من يحمل ذلك الجين المريض حتى يصل به شعوره المستفَز إلى الإعتقاد الأخطر بأنه وكيل الله في الأرض ويجعل من نفسه وصياً في عالم كهنوته حين يوزع صكوك الغفران على الناس الذين يؤمنون في خرافته وثقافته ويقدرون غاياته ومصالحه ، مثلما يوزع صكوك الإفتراء بمختلف ألوانه ووسائله لكل من يخالف منهجه الذي يختفي خلفه كوحش مرتبك وخائف متلبساً بثوب الفضيلة في حالة دفاع مستمر ضد الآخر الذي يرى فيه شريراً يهدد أمنه وحياته، حتى وإنْ كان الآخر إنساناً يمد له يد السلام والمحبة .
والمتوحش سواء كان حيواناً أو إنسانا يعيش في غابة لا يشعر بالأمن فيها.
فالغابة التي نعرفها هي غابة الحيوان المتوحش .
أما الإنسان المتوحش فغابته هي الفكر الظلامي المتخلف المجفف من كل نزعة إنسانية متسامية .
كلا الغابتين ينعدم فيهما الأمن والأمان بسبب غياب النواميس الأخلاقية التي تنظم الحياة بين الكائنات في أي من الغابتين .
والتوحش ليس دليل قوة بقدر مايكون دليل خوف وضعف مما يجعل المتوحش يبادر برفض الآخر والإعتداء عليه إنْ استطاع كحالة دفاع عن نفس خائفة جبانة لم تنسجم مع ذاتها أولاً.
بل أن الإنسان المتمدن الذي خرج من غابة التوحش قبل قرون بعد أن انسجم مع ذاته وتمرد على خرافاته في العصور المظلمة لجأ إلى ترويض توحش الحيوان فأشعره بالأمان وأخرجه من غابة خوفه ليعيش مع الإنسان في المدينة . ونعلم أن كثيراً من الحيوانات المتوحشة تجردت من توحشها في عصرنا الحالي بينما لا يزال يعيش فيه أناس كحيوانات متوحشة . فرأينا الأسد والنمر والفهد والكلب والقرد وغير ذلك من الحيوانات وحتى الزواحف يتحولون إلى كائنات مسالمة مجرد أن تجد من يشعرها بالطمأنينة ويمنحها الحنان الذي فقدته بفعل قساوة الظروف .
قد يتعرض الإنسان لعضة كلب أو لدغة ثعبان لو دخل مكاناً موحشاً أو وكراً مظلماً أو حتى مر بجوارها.
فالحية الكوبرا عندما تبث سمومها في وجه من يقترب من وكرها لا تريد الإعتداء أولاً بقدر مايكو نتعبيراً عن خوف كامن في ذاتها ومحاولة دفاع استباقي . وهكذا يكون المثير للفتن !
وعندما تقترب قدمك أو يدك من ذيل العقرب دون أن تراها عينك ، فإنها تبادر بلدغك كحالة دفاع،لأنها لا تملك الشعور بحسن النية . والمعروف أن سم العقرب مخزون في ذيلها ، وما أكثر الذيول المسمومة !
وكعادة الكائن المتوحش المنتمي لفصيلة الإنسان : يمارس الرفض للآخر كنوع من التعبير عن مخاوفه المخزونة في نفس غير منسجمة او مستقرة وسط غابتها الموحشة . ربما لأن ذلك الكائن البشري المتوحش قد عاش نسله القديم عيشة الوحوش في الغابات والصحاري ، وكالزواحف وسط الجحور الكئيبة . فأصبح الجين الذي يحمله دمه جيناً موبوءاً بالخوف من الآخر . والأخطر لو سنحت الفرصة لإنسان جينه مصاب بمرض الكراهية ورفض الآخر وتسنم منصباً إدارياً أوقيادياً أو مارس دوراً ريادياً على منابر الدين والعلوم والثقافة والمعرفة ، فينعكس مرضه الجيني على مايمارسه من عمل ويصاب بالمرض كل من يقع تحت ارادة ذلك الكائن المتوحش .
فلنتخيل رجل دين مصاباً جينه بمرض الخوف والكراهية عندما يقنع أتباعه المنزوعة عقولهم منجماجمهم ، بأنهم الوحيدون الذين يملكون مفاتيح الجنة وأنهم ممثلوا الله على الأرض في الزمنالذي لا يملكون فيه من إيمان سوى كراهية الآخر وبعض خرافة بالية؟!
ولنتخيل أكاديمياً في جامعة يتعلم في فصوله مئات الطلاب ويعلمهم البغضاء والكراهية بدلاً من الحكمة والموعظة الحسنة ، ليس حباً وحرصاً على قطعانه بقدر مايكون دفاعاً عن ذاته الموبوءة!
ولنتخيل معلماً في مدرسة أطفال ، أرواحهم متفتحة لحب الحياة كزهور عشاق الشمس وقت بزوغ الصباح، وعقولهم مشرعة نوافذها للعلم والمعرفة، حين يتم حشو تلك العقول بزاد الخرافة والجهل المقدس ، وتلويث تلك الأرواح الطاهرة بمرض الضغينة والكراهية ورفض الآخر؟!
إن الحل المناسب لمعالجة النفس المصاب جينها بمرض الخوف والكراهية، يكمن في إخراجها منغابتها ( الإيمان الفاسد والثقافة البائسة الضحلة والفكر الظلامي والواقع الموحش ) ،
تلك العوامل التي فرضت على النفس أن تكون خائفة وغير مطمئنة . وذلك لايتم سوى عبر تطمين ذلك الكائن المريض بأنه عندما يخرج من غابته التي يكرهها حتماً ولا ينسجم فيها ، فإنه لنيتعرض لنوع من الإنتقام بقدر ماسوف ينجو بنفسه ومستقبل أبنائه ويعيشون حياة آمنة مستقرة.
الكائن المتوحش المنتمي لفصيلة الإنسان يدرك قبح واقعه وفكره وسوء ثقافته وحجم الأذى الذي سببه للآخرين ، ويعتقد أن انتقام الآخر منه سيكون العقاب الحتمي المنتظر نظير ما عمله منتشويه لمحاسن الحياة الجميلة وأعماق الإنسان البريء!
وهذا مايجعله دائما يلجأ إلى المقدس الديني ليصنف نفسه كشيء أصفى وأنقى من الآخر رغم معرفته برداءة بضاعته ونفسه وما يدعيه ، وليبرر عدوانيته وتوحشه كدفاع عن نفس مأزومة.
تتميز النفس المأزومة التي تلوثت بفعل الخوف والكراهية ورفض الآخر ، بسوء أدبها وانحدار أخلاقها ونزعتها للتجبر والتكبر رغم ضعفها وهشاشتها (ملء السنابل تنحني بتواضعٍ والشامخات رؤوسهن فوارغ ).
فليس هناك كائن ينتمي إلى فصيلة الإنسان أقل أدباً وأسوأ أخلاقاً من كائن بشري يعلم أبناءه أو طلابه ومريديه كراهية الآخر ورفض التعايش معه واحتقار إيمانه و فكره و طريقة حياته،
ثم يدعي أنه ممثل الله ووصيه في أرضه محاولاً فرض إرادته ووصايته و فكره ومنهجه في عصر تعيش فيه الشعوب حرة الإرادة والإختيار.