لعب مصطلح (الأمة الإسلامية) دورا بارزا في تاريخ الشعوب التي اعتنقت الإسلام قديما و حديثا و شكل الانتماء الأممي تفصيلا أساسيا في البنيوية الفكرية للفرد المسلم أيا كان عرقه. و قد يعتقد البعض ان هذا الامر هو إيجابي بالضرورة لارتباط المصطلح بالجماعة المسلمة التي يوحد الإسلام غاياتها و مصالحها.

لكن الواقع يكشف لنا جانبا آخر ليس إيجابيا مع الأسف، إذ أن مصطلح ( الأمة الإسلامية ) تم ترويجه كثيرا بمعزل عن مفهومه السياسي و الاقتصادي و الفكري فأصبح مجردا من معناه مما مهد لاستخدامه استخداما فجا في فضاء الشعارات الأيديولوجية التي تحرك الشعوب و تنفخ في روح العصبيات و العنتريات.

و لعله من المفيد أن نقوم بتحرير هذا المصطلح و إيضاح مفهومه على أرض الواقع.

و لننطلق من القرآن الكريم حيث وردت فيه كلمة (الأمة) في آيات عديدة و بدلالات مختلفة. لكننا سنتحدث عن المعنى الغالب و هو الجماعة من الناس ذوي المصالح المشتركة او النهج المشترك او المصير المشترك و من ذلك قول الله تعالى ( ووجد عليه أمَّة من الناس يسقون ....الآية ) ، وقوله ( ولكلِّ أمَّة رسول ... الآية) ، وقوله ( كان النَّاس أمَّةً واحدةً.. الآية) ، إلى غير ذلك من الآيات.

و من هنا فإن الأمة لا تكون أمة إلا إذا اجتمعت على مصلحة عليا او لنقل اذا اجتمعت على سبب من أسباب الوجود. و معلوم إن السياسة و شؤونها هي من أعلى مصالح الناس اليوم . فآليات الحكم و موارد الاقتصاد و مقدرات المجتمعات و غيرها من التفاصيل التي يقودها السياسيون هي ما يشكل حياة الفرد و يتحكم في مصيره .

يقول الله تعالى ( إن إبراهيم كان أمة.... الآية ) اي إمام يتبع و يقتدى به . فهو يقود جماعة الناس و يدير شؤونها بشكل من الأشكال .

و نخلص من هذا إلى أن مفهوم ( الأمة الإسلامية ) لم يعد متعلقا بالأصل الديني و ذلك منذ أن أصبح للمسلمين دولا منخرطة في نظام عالمي يفرض معطيات مختلفة و يعيد ترتيب الأولويات في حياة الناس.

فالشعوب التي تعتنق الدين الإسلامي موزعة على خارطة جيوسياسية واسعة و من الطبيعي أن تختلف مصالحها و خططها و توجهاتها، فيستحيل و الحالة هذه جمعها تحت مظلة الأمة الواحدة.

و على سبيل المثال فإن دولة مثل تركيا ذات الأغلبية المسلمة تطبق نظاما سياسيا علمانيا و تقيم علاقات دبلوماسية عميقة مع إسرائيل مخالفة بذلك مطالب و اعتبارات الشعوب المسلمة.

كما تجد إيران ذات النظام العنصري الطائفي القائم اصلا على مبدأ الأفضلية العرقية و النزعة الطائفية من أجل استهداف العرب و في هذا المثال أيضا يظهر أن الدين الإسلامي لم يكن هو المصلحة العليا و لم يكن فاعلا في توجيه صناع السياسة في إيران نحو الولاء للإسلام او الأخوة للمسلمين.

و الأمثلة كثيرة على اختلاف المناهج و تضارب المصالح السياسية و الاقتصادية للشعوب المسلمة.

علينا إذا ان نطرح الأسئلة المهمة و نواجه الحقائق بتجرد.

فهل يصح أن نطلق مصطلح (الأمة الإسلامية) على كيانات تفصلها الحدود السياسية و تتضارب مصالحها؟

و على فرض أننا نطلق مصطلح الأمة الإسلامية على الشعوب المسلمة فهل يكون مقبولا ان ندخل هذه الشعوب مسلوبة الإرادة إلى دائرة الفعل السياسي بترسيخ مفهوم المسؤولية الدنيوية عن حروب الآخرين و ثوراتهم و خياراتهم السياسية فقط لأنهم مسلمون؟

أليس التمسك بالمفهوم الشامل (للأمة الإسلامية ) هو ما جر علينا الويلات و أرسل شبابنا إلى مواطن الفناء ليخوضوا معارك الآخرين ، بل و خلق فراغا فكريا لدى أجيالنا يتمدد فيه تجار الحروب و أصحاب الشعارات الرنانة؟

لقد أصبحت الحاجة ملحة جدا لإعادة تعريف مفهوم الأمة في ضوء الواقع المعاصر ، حيث الأمة هي الدولة . و هو المفهوم السليم المستقيم لغة و شرعا و عقلا .

و ان يختصر مفهوم الأمة الإسلامية بالشأن التعبدي و الإنساني فقط.

إن تسمية الأشياء بمسمياتها يخلق وعيا لدى الشعوب و لو عرجنا على التجربة الغربية على سبيل المثال لوجدنا انه في لوقت الذي نجد فيه بابوية عالمية ذات سلطات دينية و تعليمية إلا أن العالم المسيحي المترامي على أطراف الكوكب لا تجمعه سلطة أممية سياسية دينية واحدة.

خلاصة القول إن الأمة الإسلامية بمعناها التاريخي هي الدولة الإسلامية التي كانت تجتمع على قيادة سياسية واحدة ، و هو نموذج لم يعد موجودا على خارطة العالم اليوم . و إن فكرة تجسيد دولة الخلافة الإسلامية التي تبناها المتطرفون إنما جاءت كنتيجة منطقية لترسيخ مفهوم الأمة الإسلامية بعد انحسار المد القومي العروبي فانتقل العرب من المرحلة العفلقية إلى المرحلة القطبية.

إن التنوير هو اول مراحل الرؤية الواضحة و إننا اليوم في منعطف تاريخي سبقتنا إليه الكثير من الأمم ، ما يجعلنا نحتاج فعلا لتصحيح مساراتنا و تحديث قاموسنا بناء على مخرجات تجربتنا الفكرية و السياسية الماضية.