بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، وردود فعل إيران التي أبصرها العالم، بما انطوت عليه من براغماتية سياسية واضحة كان واضحاً أيضاً، أن النظام في إيران يبحث عن مخرج بكل ما أوتي من الوضع الاقتصادي الحرج الذي أصبح عليه، والذي صار يضيق بموجبه خناق العقوبات الاقتصادية الصارمة للولايات المتحدة.

الدعوات التي كان قد أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني للحوار بين إيران وجيرانها، في أكثر من مناسبة، ربما تبدو اليوم أقرب إلى التصديق، نتيجة للوضع الذي أصبحت فيه إيران اليوم. فإذا كان من عادة إيران السياسية في ظل أي تضييق تمارسه عليها إدارة أمريكية جمهورية، أن ترفع شعارات الحوار بين دول الخليج لتخفيف الضغط عليها، فإن ما يبدو عليه الحال اليوم ربما يعكس ضرباً من تلك المناورة، لكنها مناورة قد يكون فيها قدر ولو نسبياً في البحث عن مخرج من الضيق الذي وضعتها فيه الإدارة الأمريكية حاليا، ولو على حساب دعوة جدية للحوار.

في هذا الإطار، تأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلىالشرق الأوسط في زيارة للمملكة العربية السعودية تستغرق ثلاثة أيام، ثم بعدها زيارة إلى سلطنة عمان، ربما لاستكشاف رسائل حول نوايا إيران، لاسيما مع تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل الفرحان قبل شهر حول انفتاح المملكة للحوار مع إيران حين رمى الكرة في الملعب الإيراني بقوله " إلا أن هذا بيدإيران بشكل كامل".

زيارة وزير الخارجية الأمريكي، وتصريحه حول غرض الزيارة أثناء تعليقه عنها في مطار اديس أببا وذكره إيران بالقول " "لسنا متعجلين، حملةالضغوط مستمرة. إنها ليست حملةضغوط اقتصادية فقط. وإنما فرض عزلة من خلال الدبلوماسية أيضا". يشيء بأن لهذه الزيارة علاقة بالبحث عن الجدية التي يمكن أن تضطلع بها إيران في إنجاز حوار حقيقي بين جاراتها في الخليج.

بطبيعة الحال إيران تشتغل على هذا المخرج من خلال مؤشرات يمكن ذكرها اليوم عبر الميل إلى مقتدى الصدر في محاولة لجعله الحليف العراقي الأكثر شراكة معها. وكما هو معروف أن لمقتدى الصدر تفهماً كبيراً حيال هوية الدور العربي للعراق وعلاقة العراق بأشقائه العرب. لاسيما الزيارات التي تكررت من قبل مقتدى الصدر إلى المملكة قبل ثلاثة أعوام.

قد يكون من السابق لأوانه التكهن بما يمكن أن تثمر عنه هذه الزيارة، خاصة بعد الرياض ومسقط، والتحركات التي يمكن أن تصدر عن مسقط على هامش هذه الزيارة ستكون حاسمة لجهة الجدية الإيرانية من عدمها.

إن ما أصبحت عليه إيران اليوم لا يترك هامشاً كبيراً لديها للمناورة فهي أمام مفترق طرق خطير ، والزمن لا يمضي لصالحها.

سيسمع مايك بومبيو من الرياض تفصيلاً لطبيعة وشروط الحوار الذي يمكن أن تجريه المملكة مع إيران، كما سيتكشف من مسقط حدود امكاناتها لاسيما في ظل سلطانها الجديد السلطان هيثم آل سعيد.

داخل الولايات المتحدة تضع إيران عينها على مسار واحتمالات خارطة الانتخابات الأمريكية، وفيما يبدو اليوم، في ظل المفاجئات التي تعكسها خارطة الانتخابات الأمريكية وتكهناتها بخروج جو بايدن من حلقة المنافسة تقريباً، يبدو أن ترامب بدا أكثر ارتياحاً لأفول نجم منافسه المحتمل، ما سيعزز حظوظه في ولاية ثانية، وهذا ما تخشاه إيران وربما سيسرع خطاها نحو علاقات جدية من أجل الحوار المشروط مع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

قد يبدو في الأفق ما ينبي باختراق ما في تحولات إيران السياسية باتجاه الحوار، لكنها تظل بوادر مشكوك في مصداقيتها حتى الآن على الأقل، نسبةً للوعود التي قطعتها إيران من قبل لدول الخليج بالحوار ، لاسيما في الإدارات الجمهورية المتعاقبة.