4 نيسان الجاري، الذكرى الخامسة بعد المئة لحصول (الابادة الجماعية) لمسيحيي السلطنة العثمانية. في خطوة وصفت بالتاريخية، اقر (مجلس الشعب السوري) بالإجماع، أن عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن بين العامين 1915 و1917 هي "إبادة جماعية". جاء في نص القرار" إن مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية في جلسته المنعقدة الخميس 13-2-2020 يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين كما يدين أي محاولة من أي جهة كانت لإنكار هذه الجريمة وتحريف الحقيقة التاريخية حولها ويؤكد أن هذه الجريمة هي من أقسى الجرائم ضد الإنسانية وأفظعها ". بهذا تكون سوريا أول دولة عربية واسلامية تعترف بالإبادة الارمنية. (سبقها لبنان، الغير متفق على هويته، نظراً للثقل المسيحي فيه، سريان موارنة وارمن). كان يجب أن تكون سوريا، الأولى على قائمة الدول التي اعترفت بالإبادة (الأرمنية – الآشورية - اليونانية) باعتبار أراضيها كانت مسرحاً للجريمة وتخفي العديد من المقابر الجماعية لضحايا الابادة، وسوريا احتضنت مئات آلاف الهاربين من الموت ذبحاً، على أيدي العثمانيين وشركائهم الأكراد في الجريمة. بهذا تعتبر سوريا (شاهد دولي) على جرائم العثمانيين المسلمين بحق المسيحيين الخاضعين لحكمها من (أرمن وآشوريين ويونان ). لكن بحكم الرابطة الاسلامية والمصالح المشتركة بين تركيا وسوريا، الحكومات السورية تجاهلت جرائم العثمانيين طيلة العقود الماضية.

انفتاح سوريا على قضية الابادة الارمنية لم يكن مفاجئاً. الحكومة السورية كانت قد أدرجت (عواقب جرائم الإمبراطورية العثمانية في سوريا والإبادة الجماعية ضد الأرمن) في كتب ومناهج التاريخ في المدارس السورية الحكومية لعام 2019-2020. الأرمنية ( نورا أريسيان) عضو مجلس الشعب السوري، رئيسة جمعية الصداقة (السورية – الأرمنية)، طالبت (مجلس الشعب) بإصدار بيان بخصوص الاعتراف بإبادة الأرمن وإدانة تركيا، بناءً على الحقائق التاريخية التي تؤكد إفناء (الشعب الأرمني) على أراضي أرمينيا الغربية بين عامين 1915 و1923. لا يخفى على كل مهتم بالشأن السوري ومتتبع لسياسات النظام، الذي ارسى قواعده الرئيس الراحل (حافظ الأسد) وورثه لأبنه ( بشار )، الأسباب التي دفعت بسوريا للاعتراف بـ(الإبادة الأرمنية) في هذا التوقيت، بعد تجاهل تام امتد لعقود طويلة. الخطوة السورية جاءت رداً على العدوان التركي على سوريا واحتلال تركيا لأراضٍ سورية ودعمها (العسكري والسياسي والمادي) لفصائل المعارضة وفتح حدودها أمام الجماعات الاسلامية المتشددة والارهابية وزجها في الحرب السورية، لإسقاط حكم الأسد وإقامة بدلاً عنه (نظام اسلامي) موال للنظام الاسلامي القائم في تركيا. منذ التدخل التركي في الحرب السورية، النظام السوري يلوح ويهدد باستخدام ورقة (الابادة الأرمنية) في وجه أردوغان وحكومته الاسلامية. الدولة التركية، الوريث الشرعي للسلطنة العثمانية، يلاحقها شبح الابادة. هي تخشى من اليوم الذي قد تجد فيه نفسها مرغمة الجلوس على (كرسي الاعتراف) بالإبادة الأرمنية، بعد أن اعترفت بها حتى الآن 30 دولة بينها (فرنسا، روسيا، السويد، المانيا، ايطاليا، هولندا، سويسرا، الفاتيكان، البرلمان الأوربي، انضم اليها في أكتوبر الماضي برلمان الولايات المتحدة الأمريكية). الاعتراف الدولي بالإبادة الارمنية سيشكل ضغطا قانونيا وسياسيا ودبلوماسيا على تركيا. وإذا ما اضطرت تركيا للاعتراف بالإبادة، هذا يعني فتح الباب أمام إعادة الممتلكات الأرمنية، ودفع التعويضات ومطالبة أرمينيا بالأراضي التي تُعرف بـ(أرمينيا الغربية)وهي تشكل ثلثي الاراضي الارمنية، المحتلة من قبل تركيا، حيث جبل (آرارات) الذي يعد رمزًا وطنيًا للأرمن".​
كان المنتظر أن يتضمن قرار (مجلس الشعب السوري) الاعتراف بـ(الإبادة الآشورية) التي حصلت مع (الابادة الارمنية) في ذات التاريخ وبقرار من ذات المجرم التركي العثماني. لقد امتزجت دماء نصف مليون شهيد آشوري(سرياني كلداني) مع دماء مليون ونصف مليون شهيد ارمني وتهجير مثلهم من مناطقهم التاريخية. لكن للأسف (مجلس الشعب السوري)، أو بالأحرى (النظام السوري)، تجاهل (الابادة الآشورية)، لأن ليس للآشوريين دولة خاصة بهم، كما للأرمن (الجمهورية الأرمنية) وهي تتمتع بعلاقات جيدة مع الدولة السورية. بمعنى آخر، لا مصلحة للنظام السوري مع الآشوريين (سرياناً كلداناً) حتى يعترف بالإبادة الجماعية التي تعرضوا لها مع الأرمن على يد العثمانيين. (حمودة صباغ)، رئيس مجلس الشعب السوري، في كلمته أمام المجلس، أشار الى الابادة السريانية الآشورية، بقوله "إن المجلس إذ يعبر عن تعاطفه الكامل مع الشعب الأرمني الصديق يقر أن الأرمن والسريان والاشوريين وغيرهم كانوا ضحية عمليات تصفية عرقية ممنهجة ومجازر جماعية على يد العثمانيين في تلك الفترة ويدعو برلمانات العالم والرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بأسره لإقرارها وإدانتها". (حمودة صباغ)، سرياني من أحفاد ضحايا الابادة، تلقى (صفعة سياسية) من نظامه، بتجاهله للإبادة السريانية الآشورية. بطريرك السريان (افرام كريم)، الرئيس الأعلى لـ(الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الانطاكية) في سوريا والعالم أجمع، في كل مناسبة، يعلن ولائه وولاء كنيسته المطلق للرئيس السوري (بشار الأسد). البطريرك افرام، هو الآخر من أحفاد ضحايا الابادة، ولاءه لم ولن يفيد قضية (الابادة السريانية الآشورية) لجهة الاعتراف بها من قبل الأسد ونظامه. تجاهل النظام السوري للإبادة الآشورية، ولد استياءً وسخطاً شديدين في مختلف الأوساط (السريانية الآشورية الكلدانية) في سوريا وبقية دول المنطقة و في دول الشتات والمنافي.

بالمحصلة، سوريا، التي تحتضن (مقر الكرسي البطريركي للسريان) وعن السريان أخذت اسمها وهويتها الوطنية، مرة أخرى، خذلت ابنائها الآشوريين (سرياناً كلداناً).

كاتب سوري
[email protected]