لم يخرج واحد من رئاسة حكومة العراق، منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 وحتى يوم أمس، بمثل ما خرج به عادل عبد المهدي من سواد وجه، ومحمَّلا بهذا الكم الهائل من أفراح العراقيين برحيله، مسلمين ومسيحين، شيعة وسنة، رجعيين وتقدميين، داعين له بالذل والهوان في الدنيا، وبالعذاب الأليم في الآخرة.

وهو الوحيد الذي خرج هاربا من وطنه وأهله، وتاركا وراءه حرائق ومآتم وخراب بيوت سوف يبقى الوطن يحمل أوزارها إلى عشرات قادمة من السنين.
ففقد كان عهده الأكثر دموية وظلما وفسادا وعمالة من كل عهود أسلافه المحسوبين على الدين، ابراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي.

لم يحبه أحد، ولم يودعه بالدموع أحدٌ سوى واحدٍ متحصنٍ بجبال كردستان لا يقيس الخير والشر بمقياس الله ورسوله وأشقائه العراقيين بل بما يُصيبه من مالٍ حلال أو حرام، حتى لو كان على حساب تعاسة الملايين.
والمتداوَل عن عادل عبد المهدي أنه تقلب في الأحزاب، وساح في التنظيمات، فأصبح شيوعيا مرة، وبعثيا مرة أخرى، ثم ارتمى، أخيرا، في أحضان آل حكيم، وظلال خيمة الولي الفقيه، بحثا عن هيبة أو ولاية أو رئاسة، حتى جاءه اليوم الموعود.

وخلافا لكل من سبقه في رئاسة وزراء العراق أثبت أنه أشدُّهم غباوة وأكثرُهم طراوة. فقد ظن أن أفضل فنون الزعامة وأكثرها سلامة وديمومة يقتضي من الرئيس أن يسلم الجمل بما حمل لأصحاب الحل والربط من رفاق السلاح، ويترك لهم الوطن وأهله دون رقيب ولا حسيب، يقتلون وينهبون ويخطفون ويغتالون ويعتقلون ويحرقون، ويظل هو بعيدا عن العتاب وعن العقاب والحساب.

ومنذ تنصيبه، بأوامر القتيل قاسم سليماني، لم يفعل شيئا لرعاياه العراقيين فيه خير، وفعل كل شيء يُسعد (إخوته) الإيرانيين ويَسقي أهله الأمرَّ من الأمرّ.

فلم تصادفه فرصة للتستر على قاتل أو سارق من حلفائه (المجاهدين)، إلا واهتبلها.

ولم تبقَ وسيلة ولا حيلةً لحماية ظهر الولي الفقيه وإرضاء وكلائه العراقيين إلا واختصها لهم ولنفسه، مرضاةً لمن بيده الملك وهو قابعٌ وراء الحدود.
وهو الرئيس الوحيد في تاريخ العراق الطويل، وربما في المنطقة كلها، الذي اندلعت عليه ثورة ملايين العراقيين في بغداد والمحافظات، ودامت شهورا عديدة وهي تهتف بسقوطه، وبطرد الأجنبي الذي يحميه ويمنع شعبه من الانقضاض عليه.

ولعله الوحيد أيضا الذي لم يتورع عن إرسال الملثمين من أصحاب السوابق لقتل مواطنيه العزل من النساء والرجال، بدم بارد، تحت مرآه ومسمعه، ولا يخاف ولا يستحي.

ولعله الوحيد الذي أنجبته العملية السياسية المغشوشة ليقنع جماهير العراقيين بأنْ ليس هناك أملٌ في أن تقوم للعراق قائمة، من الآن وإلى عشرات السنين القادمة، ولا في أن يصبح دولة تحترم نفسها وأهلها بإسقاط رئيس وزراء أو وزير أو قائد مليشيا، بل باجتثاثها، كلِها، من جذورها وبنائها من جديد.

وبدون لف ولا دوران. إن العملية السياسية التي أجلسته على كرسي نوري السعيد وفاضل الجمالي وعبد الرحمن البزاز، ووضعت بين يديه مصير وطن وشعب، وهو لا يصلح لقيادة عنزتين، هي عملية ٌ فاشلة بامتياز، بل هي أصل المشكلة، بل هي المشكلة الحقيقية الوحيدة في حياة العراقيين اليوم، وفي حياة أجيالهم القادمة كذلك.
فلم يكن مفاجئا لأحدٍ إقدامُه على دمج (الفصائل الولائية المسلحة) بالقوات النظامية، وأمرُه بأن يحمل أفرادُها وقادتُها الرتبَ العسكرية السائدة في الجيش، وأن يتخلوا عن التسميات التي كانت تستعملها مليشياتهم، وأن يستبدلوها بـالتسميات العسكرية الرسمية السائدة، (فرقة، لواء، فوج..إلخ).

وثابت بالدليل القاطع الملموس أن هذا الفرمان الأسوأُ من كل فرامانته وقراراته وإنجازاته هو الذي جعل قتلَ المتظاهرين وسحلَهم والتمثيلَ بأجسادهم الطاهرة أمراً عاديا، لا يُعاقَب أحدٌ عليه.

حتى لم يعد في عهده غير الميمون تعذيبُ سجين بريء دون تهمة، أو قتلُ متظاهر، أو سرقةُ مال عام، جرماً مهما تنشره الجرائد والفضائيات ومواقع التواصل وتعده من أخباره المثيرة للاستغراب.

فحين تصبح عصابة، قادتُها و(مجاهدوها) جمهرة ٌمن الجهلة المرتزقة أرباب السوابق وخريجي سجون العهود البائدة، فرقةً عسكريةً تابعةً للجيش، ويرتدي أفرادها ملابس الحكومة، ويحملون سلاح الحكومة، ويركبون مصفحات الحكومة، يصبح القتل والنهب والاغتيال والاغتصاب والاستهتار بأرواح الناس وكراماتهم وحرياتهم وأرزاقهم أمرا حكوميا مشروعا وبأمر السيد الرئيس.

فعادل عبد المهدي، بقراراته وسياساته، وهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، جعل من غير الطبيعي ومن المعيب أن يتواضع مسلحٌ صغير فيؤدي التحية العسكرية الواجبة، ذات يوم، لضابطٍ أعلى منه رتبةً في الجيش العراقي، أو لوزير الدفاع، أو حتى للقائد العام للقوات المسلحة نفسه بشحمه ولحمه الرديء، إذا ما كان من حملة سلاح منظمة بدر، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، ولواء أبوالفضل العباس، ولواء الشباب الرسالي، وكتائب مالك الأشتر، وكتائب التيار الرسالي، ولواء المؤمل لحماية المقدسات في العراق وسوريا، وفرقة العباس القتالية للدفاع عن المقدسات في العراق، ولواء المنتظر، وكتائب رجال الله الغالبون، وأنصار الله الأوفياء.

وعادل عبد المهدي الأول والأخير الذي جعل مليشيات الحشد الشعبي جيشا حكوميا آخر، ليس رديفا، ولا مساعدا للجيش الرسمي العراقي، بل رقيبا ومُسيِّرا مسلَّطا عليه، أقوى منه، وأفضل تسليحا، وأكثر هيبة وهيمنة، وأقل التزاما بأنظمته المهنية العسكرية التراتبية المتوارثة.

وبالتالي فسوف يصبح كل ما قد يقوم به الجيش الجديد، في أية مدينة أو قرية عراقية، من عمليات عسكرية ونشاطات ميدانية عملا حكوميا رسميا، وليس مليشياويا، وبالتالي لا يخضع لحساب ولا لكتاب.

وبما أن لهذه المليشيات كتلا نيابية فاعلة متنفذة فهي في حقيقتها الوصيّةُ والموجِّهة والمقرِّرة الحقيقية داخل البرلمان.

وختاما، أطالب باستفتاء جماهيري عام مباشر على مسيرة الراحل عادل عبد المهدي كلها، وسأسحب كلامي هذا كلَّه، وأعتذر له أيضا، لو حصل على مئة عراقي وطني نزيه يترحم على دولةٍ كان هو قائدَها ومُسيّرَ شؤونها والقائدَ العام لقواتها المسلحة.

وأخيرا ما على خليفته مصطفى الكاظمي، إن كان حصيفا ويريد حسن الختام، إلا أن يتعلم من وداع سلفه الطريد، وألا يكون، مثلَه، عبرةً لمن يعتبر.