لأنه ليس بذلك الرجل العادي الذي يمكن لأي كان الحديث عنه. يعتبر الإمام "علي" مفخرة للتاريخ الإسلامي والإنساني. شهد في حياته العديد من الأمور والقضايا والأحداث الجسام، وبقدر ما كان فارسا شجاعا هماما في ساحات الوغى، فإنه كان أيضا رجل علم وفكر، ودين وعدل، ورجل دولة من طراز فريد من نوعه. وإلقاء نظرة على مراحل حياته، تبين بكل وضوح عظمة شأنه ورفعة مكانته، والتكوين الفريد من نوعه لشخصيته التي حار فيها الفلاسفة والمفكرون العرب وغير العرب، وأبدوا إعجابهم الشديد بها. إليكم بعضها:

إدوارد جيبون، المؤرخ البريطاني:
"الإمام علي شخصية فريدة متألقة، شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل انسان، فهي اخلاقية وإنسانية، منذ مولده وإلى وفاته، كان حكيما جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي واحبائي، حقا كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد (ص)".

هنري ستوب، طبيب ومفكر بريطاني:
"ازدرى الإمام علي العالم المادي ومجده الخادع، خشي الله وكان محسنا جواد الى الخير، الاول والسابق الى كل فعل إلهِي، وحكمه كان اجتماعيا، ويملك ابداعا وذكاء حادا. ولذا بدا غريبا على مجتمعه، لان الابداع لم يكن شائعا، لم يمتلك تلك العلوم التي تنتهي على اللسان، ولكن تلك العلوم والحكمة الخفية التي تمتد ولا تنتهي او تموت".

واشنطن إيرفنغ، مؤلف وكاتب مقالات وكاتب سير ومؤرخ ودبلوماسي أمريكي :
"كان الإمام علي من انبل عائله من قبيلة قريش، لديه ثلاث صفات يعتز بها العرب : الشجاعة والبلاغة، والسخاء. روحه الباسلة استحقت لقبا خالدا من النبي محمد (ص) "أسد الله". نماذج بلاغته لا زالت مؤثرة على كل لسان عربي، وعلى كل تفسير قرآني، وعلى كل مثل وقول ساد الأمة العربية الى يومنا هذا. في كل جمعة كان يلقنهم حكمته وما انزل على النبي محمد (ص)، ليذكرهم بما وعاه صدره، وفيه خزائن العلوم الإلهية، وهذا دليل على سخائه وتواضعه وحبه، دون شرط مسبق".

جيرالد دي غاوري، الضابط العسكري البريطاني، المستشرق والمؤرخ والدبلوماسي، يقول :
" كان الإمام علي عميد الأسرة الهاشمية، ابن عم وصهر من احترمه كل العرب، العجيب انه لم يطلب الخلافة فور موت النبي "محمد" كما فعل بعضهم، الا مزايا ميلاده وزواجه واخوّته بالنبي محمد (ص). أول من اسلم وقال له النبي محمد (ص) انك للأمة كهارون الى موسى، حكم بالحكمة والنبل أمة الاسلام وكانت فصاحته لغة حكمته".

كرا دي فو، البارون والمستشرق الفرنسي، يقول:
"كان الإمام علي فارسا غالبا، ولكنه فارس صوفي، أي إن فروسيته نهلت من معين المعارف الإلهية حتى الارتواء. فهو لا يرفع سيفه النبيل، ويهوي به إلا ليقتل شيطانا من طواغيت الاستكبار المشرك، والطبيعة الجاهلية البطرة، ليعز كلمة الله، ويجعل الناس يعيشون تحت ظلالها جنات الإخاء والمحبة، وسلامة الصدور من الأحقاد والبغضاء والمفاسد التي اتخذ منها إبليس جنودا ليحجب الإنسان عن ربه وإنسانيته. إن علياً يحمل فكرا اجتماعيا ثوريا فاعلا يرقى في تطوير المجتمع إلى تحقيق ما تحلم به الإنسانية من حياة فاضلة وكريمة. وأنه أستشهد في سبيل ما كان يريد أن يجعله واقعا حيا. لذلك فهو إمام شهيد، صاحب نفس وضيئة تختزن سرا إلهياً قدوسياً، هو سر قبول تحمل العذاب حتى الموت لإنقاذ الإنسان من الظلمات إلى النور".

قليلون هم شخصيات الإسلام الناشئ، والذين كان لهم من حيث النفوذ والتحمل تأثير فعلي ورمزي على نشر الفكر والثقافة والقيم الروحية كالإمام علي. وبإشارة الرسول إليه على أنه باب مدينة العلم النبوي، فإن إحدى أكثر الخصائص المميزة لميراثه في العصور الإسلامية الوسيطة هي فعلاً مجموع المعارف، ابتداء من العلم الإلهي والتفسير إلى فن الكتابة وعلم الأعداد. ومن الشرع والتصوف إلى قواعد النحو وفن الخطابة التي تعتبر أن الإمام علي قد أشار إليها.