شكّل وصول سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الامريكي الواحد الى 3500 ليرة ذروة المؤشرات التي تعكس مدى الانهيار الاقتصادي والمعيشي في سوريا بسبب الصراع والحرب الدائرة في سوريا التي خلفت أكثر من مليون ضحية ومئات الاف المعتقلين والمفقودين واكثر من 13 مليون لاجئ ونازح.

من نتائج هذه الحرب ظهور المعاناةُ الانسانيةُ والتفككُ والشتاتُ الاجتماعي والصراع السياسي بحيث بات المآل مهدداً استمرار الكيان السوري على هيئته قبل الثورة وهذا ماأكدته " الخارجية الفرنسية، وعلى لسان وزيرها؛ تُحذر من اختفاء لبنان كدولة " وهو ينطبق بدرجة أكبر على سوريا.
نقاط القوة التي كان الشعب السوري يستند عليها في بداية انطلاقة الثورة 2011 من هيكلية اجتماعية ومؤسسات دولة واقتصاد سوري لم تعد موجودة بالقوة ذاتها على العكس من ذلك وصلت ب 83 % من الشعب السوري الى ما دون خط الفقر وبرز مسرح الجريمة جليا وانتشر التطرف العنيف والتصفية السياسية والتخوين وخطاب الكراهية وغياب الأمن في كل نقطة من سوريا مما فتح الباب واسعا أمام التدخل الدولي ونفوذ لخمس جيوش دولية واقليمية على الارض السورية.

كان الهدف من الثورة الحرية والكرامة من أجل تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع ، ومن أجل حوكمة وتنمية ومشاركة أوسع وفتح المجال العام أمام السوريين لتحقيق مستقبل أفضل لهم ، وليس فقدان مقومات الدولة والمجتمع.
بالتالي العمل السوري يعتبر اليوم ضرورة ملحة من أجل استعادة المبادرة واستعادة القرار السوري ومن أجل أن يكون هناك كلمة للسوريين في صنع مستقبل أفضل لهم.

اليوم الضرورة الكبرى للسوريين هي العمل سويا وإدراك المسؤولية الجماعية على كل فرد مهما كانت توجهاته سواءً كان موالياً أو معارضاً من أجل العمل على استراتيجية تركز على نقطتين:
الأولى: هي الوحدات الإدارية المحلية، الثانية: هي العقد الاجتماعي الذي يمنح السوريين الحقوق والواجبات ويفسح المجال العام أمام التنوع الثقافي والاجتماعي والمشاركة العامة .

بالنسبة للنقطة الاولى الوحدات الإدارية المحلية هي ضرورة ملحة من أجل ثلاثة اهداف وهي المشاركة المحلية في التعبير عن احتياجات كل منطقة او وحدة او حي، وايضاً من اجل المشاركة في ادارة هذه الاحتياجات ووسيلة لإيجاد الحلول بشكل فعال، أما الهدف الثالث منها فهو إيجاد نمط يحقق الأمان والاستقرار بشكل ذاتي ومستدام.

بالنسبة للنقطة الثانية وهي مرتبطة بشكل قوي بالنقطة الاولى وبجميع مناحي الحياة العامة السورية، والتي تعد مطلباً وضرورةً قصوى أمام التنازع والتضارب في المشاريع والرؤى والتغيرات الدولية والميدانية، وغياب الحلول وانسداد الآفاق السياسية، وضعف القدرة والإرادة الدولية لحسم المسألة، بالتالي اليوم من الضرورة التفكير في اهمية التنوع الثقافي والاجتماعي والاثني في سوريا، ومن الضروري العمل على إيجاد صيغة سياسية واجتماعية، يعبر عنها في العقد الاجتماعي والدستور من أجل حفظوضمان ومشاركة فعالة من الجميع، لدعم سوريا بلداً لجميع السوريين.

الوسط الثالث لهاتينِ النقطتين هو مبادرة العمل السوري من اجل ايجاد حلول ذاتية ناجعة له ، وبالتالي الدور والمهمة الأساس يقع على القوى السورية المدنية والسياسية في إيجاد الاستراتيجية التالية: 1 - وحدات إدارية محلية 2 – وعقد اجتماعي جامع ، هذا من شأنه اجتراح النموذج السياسي السوري الذي ستكون مهمته الأساس بناء سوريا للجميع.

من دون العمل السوري سيكون الواقع المفكك و المنهار في سوريا، مع التدخل الدولي الحاصل وتضارب المصالح الدولية وانتشار أزمات عالمية اخرى، مثل انتشار كوفيد 19 وما ترتب عليه من أزمات اقتصادية، وغيرها ستكون سوريا بلداً هشاً ودولة فاشلة لعشرات السنوات، تعاني من الجوع والفقر وفقدان الأمن ومسرحاً لضرب عملية الاستقرار الداخلية والاقليمية والدولية.