نجحت الكويت في تحقيق مصالحة خليجية في الخامس من يناير الجاري، بينما خفقت في السادس من الشهر نفسه في تحقيق مصالحة وطنية ضمن الاطار الدستوري، كما برهن عليه تاريخ الكويت منذ نشأتها حتى تطورها الى ما هي عليه اليوم.

ثمة خلط وفهم خاطئ، وقد يكون ضحية العمد في التفسير والتصوير كويتياً وعريياً، للنظام الديمقراطي الكويتي الدستوري، فكثير من الاجتهادات، التي اقتحمت الساحة السياسية الكويتية في تعظيم المسؤولية على مجلس الأمة (البرلمان)، بسبب ممارسات البعض من نواب الشعب، من دون الرجوع في التحليل الموضوعي والواقعي لمصدر الخطأ -إن وجد- في التطبيق الدستوري أم في ممارسات مشتركة بين نواب حكومة الظل والسلطة السياسية.

اذا كانت هناك نوافذ للتحليل العلمي والتاريخي في حماية الحقيقة من التشويه والتحريف، فلابد من الاقرار أن الخطأ ليس في المؤسسة الدستورية وليس الصواب في الإمعان في هذا الخطأ، فثمة واقع سياسي كويتي يستوجب التشخيص بعقلانية وحكمة للوضع الكويتي العام المحتدم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية منذ زمن.

حتى لا أذهب بعيداً في عمق تاريخ الكويت، وحتى لا تصبح كلمات هذا المقال أسيره لذلك التاريخ، فمن الأجدى ملامسة الواقع وتلخيصه بقدر الامكان ضمن قالب منطقي وموضوعي، ليس الهدف منه ترجيح كفة ضد اخرى، وإن كان لابد من عدم الحياد في موضوع شائك كهذا.

هناك قوى غير خفية مناهضة للنظام الديمقراطي الكويتي سواء من داخل #الكويت أو خارجها، وهي حقيقة، ليس فيها تجني على أي طرف، حيث يرى كثيرون أن الديمقراطية، كنظام دستوري، في الوطن العربي باتت اشكالية وترفاً سياسياً!

فقد تنوعت الثقافة المتضررة من الأنظمة الديمقراطية، بل شاعت في الدول المناصرة للرأي الأحادي والحكم والواحد، خوفاً من الضرر والتضرر من الصوت السياسي العالي كما هو الحال في #الكويت، وهو توجس غير سليم منطقاً ومنهجاً وموضوعاً، فحظيرة ثقافة الرأي المستنير في الكويت وخارجها لابد أن تحتضن جميع الاصوات وتتعامل مع (الغوغائية) أيضاً بحكمة وطنية وبرغامتية سياسية، مقابل التهذيب الحتمي للأداء والعمل السياسي ككل.

لم تعد الحياة الديمقراطية في الكويت تجربة كما يحلو للبعض تسميتها ووصفها، وإنما هي نهج سياسي راسخ، يستمد قوته من الدستور ومذكرته التفسيرية، كما ورد على لسان صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح حفظه الله في أول خطاب له بعد أداء القسم الدستورية أميراً للدولة.

هل لدينا معضلة؟
نعم لدينا في الكويت معضلة سياسية معمقة في الأخطاء والاجتهاد غير العلمي والسياسي الحصيف، نتيجة تفسير رسمي غير صائب في التعامل مع الشأن السياسي الكويتي الخارجي والمحلي منه، بسبب بطانة غير صالحة ومناسبة لكويت اليوم والأمس تختبئ تحت وحول عباءة اصحاب القرار السياسي، فهؤلاء من شيوخ وأفراد- وهذا لا يعني التعميم على الكل- بل مكاشفة، هم من يقف وراء التعثر السياسي الكويتي المتعمد كما يبدو اليوم وبالأمس القريب والبعيد.

فالنظام الانتخابي الممثل بالصوت الواحد اشاع الطائفية والقبلية والفئوية والمحاصصة والعبث السياسي، بل نخر هذا النظام في مكونات نسيج المجتمع الكويتي، حتى أصبحنا، للأسف، في وسط وحل الفوضى الاجتماعية والسياسية، بعد بروز لافت لمكونات اجتماعية صغيرة وفرعية تسعى إلى اختراق الاستقرار السياسي الوطني والتطور الاجتماعي الطبيعي والايجابي لنظام ديمقراطي دستوري.

إن الكويت أمام تحديات شتى، منها الداخلي أي المحلي ومنها الخارجي ضمن المحيط القريب والبعيد، وهي عوامل مؤثرة في صناعة القرار السياسي وربما زعزعة أركانه.

من التحديات الخارجية، التي برزت مع التشكيل الوزاري الأخير، ما تخشاه معظم القوى السياسية الكويتية من الانصياع الرسمي لإرادة خارجية تفرض على الكويت التطبيع أو السلام، وهما سيان في المعني والمقصد، مع اسرائيل، فالكويت كان لها دورا تاريخياً في الصمود والصلابة أمام الاحتلال الاسرائيلي أكثر بكثير من منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات الأخرى المنضوية تحت راية الإسلام السياسي، لذا لابد من الفهم والتفهم للهاجس الشعبي الكويتي حفاظاً على تاريخ الدولة وتقديره، واحتراماً للإرادة الشعبية أيضا.

وهنا يأتي دور الحكومة في محاكاة الشعب في لغة غير تقليدية ونمطية، عبر التأكيد على دور البرلمان الكويتي في اقرار أي اتفاق والرجوع إليه تشريعاً واتفاقاً.

لقد أخذت بعض الأصوات الكويتية الغوغائية في محافل دولية لا تستحقه في التعبير عن الموقف الكويتي والعربي ايضا، في التصدي الشكلي لمشاريع التطبيع وضد مواقف اسرائيلية تلقفتها بعض التنظيمات الفلسطينية والقوى العربية بالترحيب المفرط والتهويل، بينما هي في الواقع مجرد تهور في التعبير ورعونة في السلوك.

محلياً، لدىنا في كويت الدستور، اليوم، سجناء سياسيين في الكويت وخارجها في منفى قسري من شتى الفئات العمرية ومن الجنسين، وهذا بحد ذاته ظاهرة مستجدة على الكويت تاريخياً وسياساً، فقد تحولت الكويت تحت مجهر منظمات حقوق الانسان ودول العالم المناهضة لكبت الحريات، وهو ليس الوجه المشرق الذي سعى اليه المؤسسون لكويت الدستور.

من المؤسف، بل من المؤلم أن يتصدر هذا المشهد كويت الدستور بسبب ضيق الصدور في تلقي النقد بشتى أشكاله وأساليبه، فلا يمكن للأنظمة الديمقراطية أن تتطور من دون علانية وشفافية في الموقف والتعبير الصريح عن الرأي والرأي الاخر والتطهير من العبث والانحراف السياسي.

فعلى سبيل المثال ولا الحصر، اخفق اخفاقاً عميقاً الشيخ صباح الخالد بصفته رئيس الوزراء وصاحب ثقافة عالية ودبلوماسي مخضرم، في قراءة المشهد السياسي الحديث، والمتمثل بنتائج الانتخابات النيابية في 5 ديسمبر 2020، التي جاءت كنتيجة حتمية تعبيراً عن إرادة التغيير، التي أقصت عدداً من نواب حكومة الظل في مجلس الأمة، وقطعت الطريق على المال السياسي.

ولعل الخطيئة الأكبر التي أرتكبها الأخ الفاضل صباح الخالد، في الموافقة على مبدأ التحالف المثقل عدداً بالتضامن الحكومي في ترجيح انتخاب الأخ الفاضل مرزوق الغانم رئيساً للمجلس، وهو نفس الشخص الذي عصف بمقعد رئاسة مجلس الأمة لسنوات عدة حتى بدا للسلطة الحكومية ودوائر القرار السياسي، انه البديل الواعد للكل، لكنه فعلاً الوهم السياسي بعينه وتظليل عملي وفعلي.

سمع مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة، هذا الرأي من شخصيات كويتية ذات ثقل سياسي واجتماعي، لذلك لا أذيع سراً بالقول أنه فعلا دفع بعاصفة التخريب لرئاسة مجلس الأمة إلى نفق مظلم بين الحكومة ومجلس الأمة والدولة ككل، على خلاف ممارسته ومواقفه حين كان نائباً في البرلمان الكويتي، فيما كان خاله الرئيس السابق الراحل جاسم الخرافي محافظاً على الوئام والتقارب بين السلطتين، الحكومة والمجلس، وبرحابة صدر مشهودة لها.

لعل أخطر ما نواجهه اليوم في ظل العهد الجديد، شيوع نزعات الدفاع عن التضامن الحكومي في انتخابات رئاسة المجلس ولجانه، وربما التمسك بعناد القرار وعدم الاعتراف والإقرار بالخطأ الجسيم، بينما المتضرر الأول والأخير هو العقد الاجتماعي والسياسي بين الشعب الكويتي وأسرة الحكم.

في مراحل الاحتقان والانحدار، وفي أعقاب نكسة انتخابات الرئاسة والتضامن الحكومي في كل ما شهدته جلسة افتتاح مجلس الأمة في 15 ديسمبر 2020 من فوضى عارمة وأعمال شغب حملت الإساءة المباشرة للحكومة ونواب الأمة والمؤسسة الدستورية تحديداً.

لذا لابد من توجيه رسالة تذكير وتنبيه لرئيس الوزراء المستقيل الشيخ صباح الخالد وغيره في دائرة القرار السياسي، أن الكويت أمانة في اعناق الجميع، شيوخاً وشعباً، وليس من الحصافة عدم تصحيح مسار العمل الحكومي ضمن الاطار الدستوري، أو اقحام طرفاً خارجياً من دول الجوار الخليجي بسبب ضبابية القرار الرسمي الكويتي، الذي أدى إلى هاوية الأخطاء الحكومية ذات المنشأ المحلي وليس الخارجي.

استقالة الحكومة ورئيسها صباح الخالد ليست نهاية المشهد السياسي في الكويت، وإنما في الواقع هو مؤشر سيبرهن على مدى الاستيعاب السياسي للدرس غير الاخير في التمعن بطلب عدم التعاون النيابي لرئيس الحكومة قبل مرور شهر من التشكيل الوزاري.

فالسبب واضح ويكمن في عدم استيعاب الرئيس المستقيل صباح الخالد شخصياً لنتائج الانتخابات واستحسانه رسمياً وعلنياً لما شهدته جلسة الافتتاح من فوضى غير مسبوقة تاريخياً طالت الحكومة ونواب الشعب وقاعة عبدالله السالم، على خلاف موقف سابق له حين كان وزيراً في الاعتراض على استحسان الجمهور بالتصفيق ضد الحكومة!

يتحمل الشيخ صباح الخالد وحده المسؤولية التاريخية امام الشعب الكويتي، فانصياعه وخضوعه لانحراف وقراءة غير حصيفة لما يدور في الساحة الكويتية محلياً، هو الإمعان في الابحار نحو مصير مبهم بالسلطة التنفيذية!

آن الأوان للكويت حكومةً وليس شعباً في المكاشفة والعلانية في تبرير ما حدث ويحدث اليوم من تداعيات سياسية معقدة، من أجل ابراء ساحة دول مجاورة أو أي طرف محلي وخارجي، وتحمل السلطة الحكومية مسؤوليتاها الوطنية تجاه الجمود السياسي الكويتي.

إن اخفاق الكويت في تحقيق مصالحة وطنية، ليس بصالحها وتاريخها وتحسب عليها، فالنجاح في الدبلوماسية خارجياً والفشل محلياً يعني النقيض، بل التناقض بعينه وعدم استيعاب لدروس التاريخ وإضعاف للمكانة التي حققتها الكويت دولياً وإقليميا وخليجياً.