أُريد لها ان تؤدي دور شهرزاد، التي انقذت بقصصها الجنس البشري من الفناء في الف ليلة وليلة، لكنها تقمصت دور السياف في خمس ساعات فقط . بنت الرئيس التي لم يرمش لها جفن خلال ساعات من الحديث في وقائع مؤلمة لكل من عاصرها، خلطت القصص ببعضها فأختلط الراعي بأغنامه ولم يعرف السامع كيف دخل الذئب المرعى وكيف تشتت القطيع؟
عبر خمس نوافذ متتابعة اطلت بنت الرئيس لتروي قصصا تنطح بعضها بعضا حتى قطع الأنفس والأنفاس ، وبلا ادنى انفعال كأنها كانت تعيش في غرفة مغلقة عن العالم منذ خشونة اظفارها . فهي تعلن منذ البداية " احنا ناس اسياد بلد ومسؤولين عن وطن " كادت المفردة الأخيرة ان تكون عبيد . وهؤلاء العبيد كانوا يعيشون " وقت عز و تقدير عال ولا احد يسيء اليهم وقد يميل التعامل الى القسوة " لعل مفردتي العز و القسوة التي اطلقتهما بنت الرئيس في فضائها اللغوي الغريب تشيران الى معان اخرى. فالعز الذي قصدته يتعلق بخصوصية عائلية او قبلية بعيدة عن عيش عبيد الوطن الذين يشهد اصدقاء العائلة ، قبل غيرهم، على انقراضه من العراق خلال حكم الوالد ،وتحول الى شظف ومعجزة عيش، بينما هيمنت القسوة بأعلى درجاتها على كل ما يطير و يدبو في بلاد الرافدين، حتى وجدنا البعض يعيش مختفيا تحت الأرض.
انطلاقا من بداية حديثها بنمط لغوي خاص بحقبة حكم البعث ، فأن على السامع – المشاهد ان يقلب كل عبارة لنقيضها ولا يعود للغة أي من معانيها التي نتداول بها وفق اتفاق مجتمعي، تأريخي. بنت الرئيس تقرر ان للحرية معنى آخر لا علاقة له الا بها " حين يكون رئيسك صدام فأختيارك آخر "بالتأكيد انها عبارة لا نجد لها مثيلا في الأدبيات الفلسفية او السياسية التي تناولت موضوع الحرية حتى قبل ثورة سبارتكوس. بنت الرئيس التي تحب الصيد و تمارسه، كما نوهت لذلك بفخر، لكنها بالتأكيد لا تجيد رمي الطرائد العراقية وفقا لتراث لقانون الصيد . فهي تقرر ان" الناس مؤمنة على اولادها، ونحن لا نقتل اولادنا " أي اولاد، اولادها هي ام البقية من اولاد العراق؟ فوالدها " الذي لم يكن عاشقا للحروب " قتل الملايين من اولاده في حروب صار من الصعب ان تحصيها موسوعة حربية. فخلال عقود حكمه اصبحت الحرب حيوانا خرافيا ولودا، ينجب كل عام حربا جديدة اشد ضراوة من سابقاتها، حتى اصبحت الحرب الشرط الوجودي لنظام الوالد. فكيف يكون العشق اذن؟
بنت الرئيس التي " تحمل جينات الوالد " بتعبيرها، تنطق عن هواها ما يحتاج لمسرحية كوميدية تعيد وضع علامات التعجب والأستفهام على السنة ممثليها. فزوجها وعائلته، الأب والأم والأخوة والاصهار، كلهم ذهبوا الى " دار حقهم " من اجل تجنب " حمام دم وكل شيء على مايرام ". والله يتوفى الأنفس ولا يقتلها كما يعلم كل ذي عقل.
على هذا المنوال فأن تفسير الحروب يكون " اخوة يتقاتلون وهذا امر طبيعي ويحدث بين الأخوة. والطرفين خسروا شهداء " هكذا تتحدث عن غزو الكويت وكأن ماحدث لعبة كرة قدم بين فريقين من الأخوة؟ مئات الألوف من القتلى والجرحى والمعوقين وخراب بلدان من اجل تعبير عن الأخوة في اجمل تجلياتها، المهم ان يصبح الجميع في عداد الشهداء .لكن الشهداء اموات في الحياة الدنيا وهم فقط " احياء عند ربهم يرزقون ".
بنت الرئيس التي تتباهى بحمل جينات ابيها " تنظر للعيون، تقرأ ما تحمله من نوايا" تماما كما كان والدها يقول ويتصرف وفقا لذلك في تصفية حساباته مع من يتصورهم خصومه الذين يضمرون له شيئا ما لا يمكن تحديده. فيصدر قراراته بقتلهم بشهادة من عيونهم . وهذا ما تطلق عليه بنته " نبؤات صدام" وكأننا في عصر متنبيء آخر ، ليس في الشعر بل في فن السياسة العراقي في اشر حقبه .
" الديكتاتورية اصبحت اسطوانة قديمة تقول ثم تضيف: ان العالم كله تحكمه الديكتاتورية "بنت الرئيس تعتقد ان القانون في الديمقراطية هو الديكتاتورية، وحيث ان والدها كان يقول : ماهو القانون؟ انه ورقة يكتبها صدام حسين. هكذا تختلط المفردات في عقل ابنته. لكنها تنسى ان البوابة الشرقية هي التي اصبحت الأسطوانة القديمة وان العراقي لا يريد ان يسمعها من جديد وقد شرختها السنوات و دوي المدافع والطائرات في جانبها الغربي، فلم تعد بوابة شرقية في ظل تعقيدات ماجرى لهذه البلاد بعد نبؤات الوالد التي جعلت العراق " خان جغان " لكل من اراد شق طريق له فيها ليبيع تجارته الفاسدة والطازجة ان وجدت.
بنت الرئيس تحدثت عن والدها كأشراقة من اشراقات التأريخ، فهو الذي لا يمسه الا المطهرون بالمعقمات والذي يمنع النظرفي عينيه او تقبيله والذي تفحص الأجهزة الالكترونية حتى اسنان ضيوفه من سياسيين او تجار، يشرب ماء الحنفية بعد ان لوثته قنابل اليورانيوم المنضب ويجبر ابنته على الذهاب الى المدرسة في يوم سقطت فيه الصواريخ الأيرانية على مدارس بغداد ؟وهو نفسه، المغفور له ، من يتم اولادها و ذبح زوجها و بنى لها بيتا في مزرعة تطل على دجلة في اجمع ارياف بغداد .هو نفسه الوالد من طلقها رغما عنها في دقائق وجعلها ارملة بعد ساعات وهو نفسه الذي لم يخطيء حين شن حربه على ايران لثمان سنوات حسوما، وغزى الكويت في غبش يوم دون ان يخبر هيئة اركانه ثم انسحب منها في هزيمة نادرة لجيوش القرن العشرين . هو نفسه، الوالد، الذي انقض على شعبه "اولاده" شمالا و جنوبا في حرب ابادة، تعويضا لأنكساره في ام معاركه التي لم تنته نتائجها بعد، ليس في العراق بل في المنطقة كلها.
تريد بنت الرئيس محو التأريخ الذي لم يشارك الوالد في صنعه لتكمله على طريقة ابيها بأعتبارها وارثة لجيناته؟
على منوال اكثر القصص الفاشلة ، منذ سيرة الزير سالم، فأنه لا قاتل ولا مقتول والجميع شهداء، بين صفوف جند يزيد مثلما بين صفوف جند الحسين . سورات غضب هدايا القدر للأمة تدفع ثمنها اجيالا، جيلا بعد جيل، في بلاد جعلتها" الفتن " اطلالا يسكنها اشباح اشبه بالبشر. بنت الرئيس وفقت في جعل عبارة الفيلسوف الالماني هيغل " التاريخ يكرر نفسه مرتين. مرة تراجيديا واخرى كوميديا " وهي لم تفلح في ان تكون شهرزاد التي حين يدركها الصباح تسكت عن الكلام المباح . فاتها ان تسكت كي تبقى التراجيديا محل عطف على الأرملة التي شردها ابيها هي وصغارها وجعل اجفانها لا ترمش وهي تحكي اغرب القصص..
التعليقات