تعد العلاقات الأميركية السعودية والتي تعود إلى ثلاثينات القرن الماضى وتحديدا 1932، من أقدم العلاقات بين دولتين. هذه العلاقات اتسمت أولا بالاستمرارية والديمومة رغم ما تخللها من توترات واختلافات. وهذه السمة الأساسية.

أما السمة الثانية في هذه العلاقة فتكمن في تغليب الاعتبارات الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية العليا والأمنية على أي اعتبارات أخرى. ويمكن وصف العلاقة بين البلدين بأنها تتجاوز الشخصي، كما تتجاوز شخصية الرئيس الذي يجلس في البيت الأبيض، سواء أكان جمهوريا أو ديمقراطياً. أما السمة الثالثة فهي في أن العلاقات توصف دائماً بالشراكة الإستراتيجية والتحالف، ما يعني أنها تتجاوز في مستواها وعمقها العلاقات العادية بين الدول.

فالعلاقات مؤسساتيه وتحكمها ثوابت ومبادئ ثابته. ففي إحدى جوانبها، تعزى للدور والمكانة اٌلإقليمية والدولية التي تحتلها السعودية، كما للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة كدولة أحادية على سلم القوة الدولية وما لها من مصالح كونيه واستراتيجية عليا في الشرق الأوسط. ولهذا جرت العادة ان تكون الرياض من أول العواصم التي تتم زيارتها أو الاتصال بها من قبل الرؤساء الأميركيين. وقد تتفاوت العلاقات الشخصية من رئيس لآخر، لكن تبقى السمة الغالبة لهذه العلاقات الحرص عليها وعلى تجاوز أي توترات وخلافات. بعبارة أخرى المصالح الاستراتيجية العليا تغلب الخلافات أيا كان موضوعها.

من ناحية أخرى، تغلب هذه المصالح على الاعتبارات الثقافية والعادات والتقليد والدين ومسائل حقوق الإنسان. بل يمكن القول إن الولايات المتحدة والمملكة العربية أكثر دولتين تجمعهما تباينات ثقافية وقيمية وتباينات في بنية النظام السياسي ومرجعيته. وتأتي زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى السعودية، ومن قبله الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، من أهم الزيارات التاريخية التي تسجل، على الرغم من تفوق زيارة ترمب لناحية توطيد العلاقات بين الدولتين من خلال جعل محطته في الرياض أول محطة في الشرق الأوسط، وبالرغم من مواقفه من الدين الإسلامي، إلا أن ترمب عبر عن سمة التسامح التى يتسم بها وذلك في كلمته التي القاها في الرياض، الأمر الذي يعكس احترامه للسعودية ومكانة الدين الإسلامي فيها.

العلاقات تحكمها محددات وعوامل كثيره أذكر منها ما يتعلق بالاقتصاد العالمي والدور العالمي الذى تلعبه الولايات المتحدة، وهذا الدور تساهم فيه السعودية بدور كبير من أكثر من زاوية: الأولى، الاتفاق بين الدولتين أن يتم تحصيل عوائد النفط بالدولار أو ما يعرف بـ" البترو دولار"، وهذا يضمن حماية وقوة الدولار كمؤشر ومحدد للدور العالمي للاقتصاد الأميركي. الثانية، حجم الاستثمارات الضخمة التي تستثمرها السعودية في السوق وسندات الخزانة الأميركية والتي زادت عن 700 مليار دولار، بالإضافة إلى الأهمية التي تحظى بها السعودية كأكبر مصدر للنفط إلى الولايات المتحدة. في المقابل، تعتبر السعودية أكبر مستورد للسلاح والتكنولوجيا العسكرية الأميركية والتي تجاوزت في إدارة ترمب الخمسمائة مليار دولار، وتشكل عشرة في المائة من حجم صادرات الولايات المتحدة العسكرية.

ومن العوامل المحدده الالتزام الأميركي بأمن الخليج وحماية السعودية وحماية أنظمة الحكم في المنطقة وهي من أهم الثوابت والمبادئ الحاكمة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط منذ الخمسينات.

كذلك يمكن اعتبار الدور المؤثر والفاعل للقرار السعودي في الاقتصاد العالمي من أبرز العوامل، ناهيك عن القوة الشاملة التي تملكها السعودية من مكانة دينية وروحية مهمه في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الدور الريادي والمحوري في قلب منظومة الخليج العربي، ودورها المحوري على مستوى النظام الإقليمي العربي.

ولعل مبدأ الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر من أهم الأمثلة التي تؤكد على هذه العلاقات ونظرية ملء فراغ القوة الذي أعقب إنسحاب بريطانيا في السبعينات من القرن الماضي، وسياسة العمودين المتساندين التي اعتمدت عليهما الولايات المتحدة والمقصود بهما إيران الشاه والسعودية العربية. إلا أن هذه السياسة لم تدم طويلاً، إذ أنها سقطت مع انهيار نظام الشاه، وزادت أهمية الدور السعودي في ضمان مصالح أميركا الكونية والإقليمية وفي مواجهة العديد من التوترات في العلاقات الإيرانية-الأميركية. هذه العلاقات تخضع للتحولات في موازين القوى في المنطقة وبتطور الأحداث في العديد من الملفات الحالية مثل الملف النووي الإيراني وملفي العراق واليمن وملف السلام، باتت هذه الملفات هي التي تحكم سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. ولعلي هنا أسوق مثالا أختم به المقالة يبين عمق العلاقات، إذ أن إدارة جورج بوش الإبن نجحت باحتواء ارتدادات أحداث 11 سبتمبر. وما زيارة الملك عبد الله للولايات المتحده ومصاحبة الرئيس بوش له محتضنا يده في مزرعته في تكساس إلا خير دليل على أهمية هذه العلاقات.

إدارة الرئيس بايدن تشبه غيرها من الإدارات السابقة، ومن المستبعد أن تسعى إلى تجاوز الاعتبارات والمحددات المنظمة والحاكمة على العلاقات، وأنها أكبر من أي اعتبارات وحسابات شخصيه وإدراك ان السعودية اليوم ليست السعودية أمس.