منذ سبع سنوات يعاني الشعب الكردي بإقليم كردستان من محنة قاسية بسبب قطع ميزانية الاقليم من قبل حكومة نوري المالكي والحكومات العراقية اللاحقة .. ومنذ تلك اللحظة ذهب العديد من الوفود الكردية الى بغداد للتفاوض حول هذا الموضوع ، ولكن في كل مرة تعود تلك الوفود خالية الوفاض دون أن تتمكن من حل هذه القضية المؤلمة بالنسبة للشعب الكردي .
وحين اختير الأستاذ قباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان لتولي الجولة الأخيرة من المفاوضات ، كان الأمل ضعيفا للغاية في إمكانية التوصل الى توافق بين الإقليم وبغداد حول تمرير الموازنة العامة للدولة . ولا يخفى على أحد حجم المشاكل الهائلة التي إعترضت طريق التفاوض منذ انطلاقه ، ولكن قباد طالباني الذي نهل من معين والده الراحل العظيم مام جلال أدرك مسبقا كل هذه الصعوبات ، ولأنه ابن مام جلال فقد تحمل المسؤولية وخاض التحدي بعناد قل نظيره في مسؤولي الاقليم .
وقد لايعرف الكثيرون بأن قباد تعرض لإنتقادات كثيرة ليس من قبل أطراف خارج حزبه ، بل حتى داخل قيادة حزبه التي انتقدت عناده وإصراره على خوض تحد لا طائل من ورائه . وتصورت تلك القيادة أن فشل قباد في تحقيق أي إنجاز بهذا الصدد قد يعود عليه وعلى حزبه بضرر بالغ ، وخصوصا في هذا الظرف الحساس والانتخابات المبكرة باتت على الأبواب ، وأن فشل تلك المفاوضات سيفقد الحزب ثقة الجماهير وبالمقابل ستحقق أطراف أخرى أهدافها في إحراج الاتحاد الوطني بهذا الملف الحساس .
ولا يمكن بأي حال إنكار حقيقة مؤكدة أنه كانت هناك أطراف عديدة تسعى لوضع العراقيل أمام مسعى طالباني وتحاول بكل ما اوتيت من قوة إفشال جهوده وإعادته خائبا من بغداد .
لكن يبدو أن قباد كان على قدر المسؤولية ، فخاطر وجاهد وسعى بكل اخلاص الى إنجاح المفاوضات وتحقيق أكبر إنجاز لصالح شعبه حين من خلال إستعادة حصة إقليم كردستان بموازنة الدولة . فأثبت بذلك أنه مفاوض كردي من العيار الثقيل .
والان .. بعد أن تم حل هذه المعضلة العويصة بجهود شخصية من قباد طالباني والوفد المساند له ، بقيت هناك مشكلات أخرى عقيمة مازالت تهدد علاقة أربيل ببغداد . فكما هو معروف فإن تلك العلاقة تعاني من العديد من المشاكل المزمنة من أهمها مسألة المادة 140 من الدستور العراقي حول المناطق المتنازع عليها ، وهناك مشاكل أخرى تتعلق بالظلم الواقع على المكون الكردي فيما يتعلق بالتواجد ضمن تشكيلات الجيش العراقي وغيرها من المشاكل العالقة الأخرى .
وعليه طالما أن قباد طالباني أثبت جدارته وحنكته الدبلوماسية الناجحة في حل أحد أعقد المشاكل العالقة والماسة بحياة المواطنين المعيشية في كردستان ، فإني أرى أنه أكثر المسؤولين تأهلا لمسك بقية الملفات الخاصة بعلاقة الإقليم ببغداد وفي مقدمتها الملف المتعلق بتطبيق المادة 140 وحسم مشكلة المناطق المتنازعة .
لقد أثبتت الأزمة المالية التي تعصف بكردستان منذ سبع سنوات وأدت الى قطع أرزاق أغلبية الشعب الكردستاني ،أن حكومة إقليم كردستان عاجزة تماما عن تطوير إدارة كردستان من دون دعم واضح من بغداد ، وأنه من دون عودة العلاقات الطبيعية بين أربيل وبغداد لايمكن في ظل الظروف المتناقضة في المنطقة عموما أن تتمكن حكومة الإقليم من تحقيق أهدافها في تأمين حياة حرة وشريفة لشعبها . وأن مصير الكرد في كردستان مرتبط عضويا بمصير بغداد ، ولذلك فقد آن الأوان لكي يطوي الطرفان صفحة الماضي ويشرعا بالتعاون والتنسيق والتلاحم من أجل مواجهة كافة التحديات التي تواجه البلد .
لقد حقق الأستاذ قباد أروع إنجاز تاريخي له بتأمين القوت اليومي لشعبه ، وحان الوقت لكي يبذل جهودا مثمرة أخرى لإستعادة الأراضي التي أستقطعت من جسد كردستان غدرا لكي يتحقق الأمن والسلام الدائم في ربوع هذا الوطن الجامع للكل .