في الأيام التي قضيتها في إحدى دول الخليج العربي أُبلغت أن معظم رموز الصحافة اللبنانية قد أصبحوا في العديد من دول وبلدان المهجر البعيدة والقريبة وبالطبع فإنّ الصحف التي كانوا يعملون فيها قد غابت كلها وحتى الأساسية والرئيسية منها ومن بينها صحيفة "السفير" لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ "أستاذنا" طلال سلمان الذي لم أعد أعرف أين هو الآن، وبالطبع فإنّ نائبه كان الأستاذ الكبير بلال الحسن الذي كان إغتاله مرض عضال والذي لم أعد أعرف عنه شيئاً وكان ثالث هؤلاء الإثنين الرسام العظيم حقاًّ ناجي العلي الذي كانت إغتالته يدٌ آثمة في لندن برصاصة أنهت حياته الحافلة في أحد الشوارع اللندنية التي باتت "مرابط" خيل الذين غادروا بلدانهم وغالبيتهم من لبنان الذي كان مربط خيل الذين غادروا بلدانهم هروباً بأحزابهم وبقناعاتهم السياسية وبعضهم قد لاحقه رصاص الغدر والخيانة إلى هذا البلد الذي بقي ملاذاً للهاربين من جنرالات الإنقلابات العسكرية.
لقد كنت الأردني الوحيد الذي كان أحد "الهاربين" بدون أيّ سببٍ مقنعٍ وكنت حتى عام 1982 الأردني الوحيد الذي عمل فعلاً في الصحافة اللبنانية، في صحيفة "السفير" تحديداً وأيضاً كنت الأردني الوحيد الذي كان إلتحق بكلية الإعلام اللبنانية التي ما كانت "مقسمة" بين بيروت الغربية وبيروت الشرقية والتي كان عميدها أحد كبار المبدعين من عائلة "الجميّل" اللبنانية الذي كان عرض عليّ، لأنني كنت "الأول" بين زملائي وزميلاتي بالطبع في السنة النهائية، إستكمال دراستي في إحدى الجامعات الفرنسية لكنه عاد وأبلغني بكل أسف أنّ المنح الدراسية حسب القوانين اللبنانية لا تعطى إلاّ للبنانيين فقط.
وهكذا فقد عرض عليّ الأستاذ بلال الحسن الذي كان "يشغل" موقع نائب رئيس التحرير طلال سلمان أن ألتحق بالقسم العربي والدولي في صحيفة "السفير" التي كنت الأردني الوحيد الذي عمل فيها إلى أنْ أضطررت لمغادرة لبنان الجميل بعد الغزو الإسرائيلي في عام 1982 وعلى السفينة التي كانت أقلّت القائد الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، ومعه عددٌ من رجالات الصف الثاني من بينهم الأستاذ أحمد عبدالرحمن رئيس تحرير صحيفة فلسطين الثورة، رحمه الله، وآخرون غيره.
وحقيقةً أنّ صحيفة "السفير" التي كنت الأردني الوحيد الذي عمل فيها منذ بداياتها المبكرة وحتى: "الرحيل النهائي" في عام 1982 كانت جامعتي الصحافية الحقيقية وكان من زملائي المبدعين فيها الفلسطينيين بلال الحسن وناجي العلي وأيضاً الأستاذ محمد مشموشي وقبلهم جميعاً الأستاذ الكبير طلال سلمان ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن ما بقي من هؤلاء للإستمرار بإصدار هذه الصحيفة دون توقف بطلب من القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية الأستاذ محمد مشموشي نائب رئيس التحرير والرسام المبدع ناجي العلي و"أنا" ...العبد الفقير إلى الله جل شأنه وبالطبع بعض الكفاءات الفنية.
وعليه، وكما سبق الإشارة إليه، فإنني كنت الأردني الوحيد حتى عام 1982 الذي عمل في صحيفة "السفير" وفي الصحافة اللبنانية وإنّ هذه الصحيفة التي لا يزال مكانها في القلب كانت تصدر بصفحتين خلال فترة الحصار الإسرائيلي وكان يتربع على صدر صفحتها الأولى "كاركاتير" المبدع العظيم ناجي العلي، رحمه الله، وكنت "أنا" المحرر الوحيد لباقي ما تبقى وبالطبع فإنّ هذا الطاقم "العرمرمي" كان بإشراف وقيادة الأستاذ محمد مشموشي الذي أتمنى أن يكون لا يزال على قيد الحياة.