كل طرق الوعظ والخطابة السابقة لم تعد تجدي مع الناس في مرحلة حضارية تختلف عن سابقاتها ... لذلك حتى الوجوه التي تعود عليها الناس سابقا لم تعد مُقنِعَة .فالناس غير مستعدة لاستماع ماسمعته مراراً من قصص تاريخية .. ومواعظ.
نحن في مرحلة تختلف تماما في فكرها وعلومها وعيشها وطرق أساليب مخاطبة الناس .. انها المرحلة الرقمية التي يجب ان تُخاطَب فيها العقول بالمنطق والتجارب التي تثبتها الحقائق وليس بالعواطف المريضة التي انتجتها التجارب الفاشلة .. فكل ما نتخاطب به مع بعضنا البعض في زمننا الحاضر هي وسائل رقمية أساسها العقل ، ولايمكن للعقل في هذا العصر ان يستوعب غير شيء علمي .. منطقي. ولا يمكن للخيال أن ينسجم مع كل حشو ماضوي وهو متحفز لكل جديد في زمن تتسابق فيه العقول على انتاج كل مختلف ومميز تتعارض مع كل سرد تختزنه الذاكرة التي لا تملك شيئاً يتلاءم مع الحاضر .
لذلك انحسرت مراحل استخدام الوسائل العاطفية وخرافات الماضي لتخدير العقول.. ولن ينجح من لم يزل يعتقد ان الطريقة القديمة قادرة على التأثير .
وقد أُستهلك اجترار التاريخ وقسره لإثارة العقول بما فيه الكفاية ،وكان لذلك الاجترار أثره البالغ والخطير على الأمة حين بقيت تقبع في القاع وغيرها امتطى صهوة العلم صعودا نحو قمم التفوق الحضاري... وأصبح الناس في عصر التكنلوجيا والمعلومة الجديدة السريعة أكثر وعياً في تصورهم الحقيقي للماضي وأكثر مقدرة على تخيل المستقبل بعيون أبعد نظراً وأعمق رؤية .. ولم يعد العقل قادرا على استيعاب كل مايردده حشو الماضي .. لأن العصر الحاضر من انتاج العقول الجديدة التي انتجت التكنلوجيا .. وهذه العقول لا تستمع ولا تفهم سوى لكل منتج حديث.
ألم تصبح بعض الصور ذات التأثير القوي في مراحل ماضية محط استهزاء وسخرية في حاضرنا الذي يعيد صياغة تفسير الماضي بمعاني تختلف عن صياغتها القديمة ، كدليل على تغير النمط الفكري في العقول الجديدة التي تحاول أن يكون لها أثراً في التاريخ الجديد ؟!

قلبي وعقلي يشفقان على كل من يعتقد ان الماضي بقصصه ورواياته وخطابه ،مايزال يملك القدرة على قيادة العقول في عصرنا الحاضر !