في هذه الصفحات نفحات من سير رجال كانوا منارات مضيئة، وسطعوا نجومًا في سماء بلادهم والعالم.

عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية ومؤسس الدولة السعودية الثالثة، وأول ملوكها والحاكم الرابع عشر من أسرة آل سعود، ولد معزي في الرياض في التاسع عشر من ذي الحجة 1293 هـ، الموافق 15 يناير 1877 م.

ولد المجد
من هنا ولد المجد، وانطلقت بارقة الأمل لوطن بأكمله.

يمتاز الملك عبد العزيز بقوة الشخصية والشجاعة المطلقة والحزم، وهو المعروف بأنه المقدام الشهم. كانت له حكمة العربي الأصيل، وشهامة بدوي الصحراء، وعن كرمه وسخائه حدث ولا حرج. ولاعجب في ذلك فمعزي كان ملكا كابرًا عن كابر.

كانت البدايات صعبة في أواخر الدولة السعودية الثانية وآخر حكامها الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن سعود، حين سقطت الدولة السعودية الثانية ورحل الإمام عبد الرحمن بن فيصل بأسرته في اتجاه الكويت، ولم يكن ابنه عبد العزيز قد بلغ الثانية عشرة من عمره، وقيل الخامسة عشرة.

لكن سليل المجد معزي لم يرحل بفؤاده وحنينه وشوقه نحو وطنه وملك آبائه وأجداده. عاش معزي بالكويت كل يوم وهو يحلم بالعودة، وعقد النية والعزم على الظفر يومًا بملك آبائه، فخرج في عام 1318هـ من الكويت في محاولة أولى لاستعادة الرياض، لكنها لم تتكلل بالنجاح. إلا أن عزمه لم ينثن ولم يلِن.

حلمه بملكه لم ينكسر، فعاد بعدها بعام وخرج من الكويت مع مجموعة رجال من خلّص أتباعه وقوامهم ثلاثة وستون رجلًا واستطاعوا بمعونة الله ثم خطة الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود استعادة الرياض. وصرخ بأعلى الصوت في قصر المصمك: "الملك لله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود".

العهد الجديد
كان ذلك في صبيحة 5 شوال 1319هـ، الموافق 5 يناير 1902م. كانت انطلاقة العهد الجديد من الدولة السعودية الثالثة. ولم يكتف حلم معزي باستعادة الرياض فحسب، بل هبّ لتوحيد الجزيرة العربية من البحر إلى البحر، ومن أقصاها إلى أدناها، في رحلة شاقة، عتاده فيها يقينه بنصر الله وبوعده، وبهمة تزلزل الجبال الرواسي ويلين لها الحديد.

انطلقت مرحلة توحيد الجزيرة على يد المؤسس طيب الله ثراه في رحلة شاقة امتدت من عام 1902 م إلى عام 1932 م حيث لم يخُب عزمه طوال ثلاثين عامًا، ولم تنكسر عزيمته عن توحيد وطن مترامي الأطراف، كانت تمزقه الفرقة والتناحر والأطماع العثمانية والأعداء المتربصون.

بذل معزي، رحمه الله وطيب ثراه، عمره كله في سبيل خدمة الدين وإعلاء كلمة الحق، وجمع الناس على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

المتتبع لسيرة معزي يرى في هذا القائد الفذ الشخصية الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين على مستوى العالم العربي والإسلامي والعالمي، ويرى فيها جسارةً في الحق، وعزمًا تخر له الجبال، ولا يخاف في الله لومة لائم. لقد خاض معزي ومعه الأبطال الحروب الدامية وقدموا الأرواح في سبيل الله.

لقد امتزجت الأرض الطاهرة بدمائهم الشريفة، بعد أن أرخصوا من أجل الدين والوطن كل غال ونفيس ولقد انبهر المؤرخون العرب والأجانب بسيرة هذا القائد الفذّ.

مآثر عظيمة في سجل التاريخ

قال المؤرخ الصيني بروفيسور يانغ هونغ: "كان الملك عبد العزيز أحد العباقرة الذين قدموا لأممهم وأوطانهم خدمات جليلة بجهودهم الجبارة التي لا تعرف الكلل أو الملل، وساهموا في تطور المجتمعات البشرية وتقدمها نحو الغاية المنشودة، وسجلوا مآثر عظيمة في السجل التاريخي المفعم بالأمجاد الخالدة".

ووصف الدكتور فون دايزل، النمساوي الذي زار المملكة في عام 1926 م، الملك عبد العزيز – رحمه الله – بالنابغة، مستشهدًا بالقول: "إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معًا، بعد أن كان زعيمًا لا يقود في بادئ الأمر سوى عدد من الرجال وتمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده... لن يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يُسمى نابغة".

كما وصف الأديب والمفكر المصري عباس العقاد شخصية الملك عبد العزيز - رحمهما الله – بالقول: "كان الملك عبد العزيز عنيدًا مع الأقوياء، متواضعًا مع الضعفاء، لكنه كان يسمع الرأي الآخر، فإذا اقتنع به رجع إليه، لأنه اتخذ من الحق والشريعة إمامًا وحكمًا".

لم تنتهِ رحلة المؤسس - رحمه الله - بتوحيد المملكة العربية السعودية، بل بدأ بعدها رحلةً لا تقل مشقةً وصعوبة، وهي رحلة إعمار هذا البلد المعطاء. لقد قدم - رحمة الله عليه - كل ما يملك في سبيل رفعة الدين والوطن، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وأعلى مراتبه في عليين.