بقلم د. أحمد بن حسن الشهري
في مقال سابق تحدثت بشيء من التفصيل عن أوروبا القديمة وأمريكا القديمة وما دار فيهما من صراعات دامية بين الكنيسة والقصر وكيف أن الغلبة في النهاية كانت للقصر الذي حدّ من تغوّل الكنيسة في حياة الناس من خلال تكريس الفكر الكهنوتي الذي كبّل حياة المجتمع من خلال طقوس وتعاليم تصل لحد الخزعبلات والخرافات التي يرفضها العقل السوي وفي هذه السطور أقول أن أمريكا الحديثة وأوروبا الجديدة ومثلهما كثير من بلدان العالم الكنسي لم يتأتى لهم الانطلاق نحو الحداثة والتقدم العلمي إلا بعد أن أحتكم للعقل على حساب الأسطورة والخرافة ومنها انطلقت الثورة الفرنسية ومثلها في الكثير من دول العالم الحديث.
دفعني لهذا الحديث عندما رأيت الغرب يجلس على طاولة واحدة أمام نسخة قديمة من تلك الصور التي تم حرقها في أوروبا وأمريكا وحتى الدول الشيوعية وهي صورة الكهنوت أو من يتدثر بهذا اللباس الفكري العقدي الغريب!!.
يمثل هذا الكهنوت في عالم اليوم النظام الحاكم في إيران فهو يقوم في فلسفته على أن هناك حاكم نيابة عن الله عز وجل وهو المسمى حاكم الزمان أو إمام الزمان الغائب والذي سيظهر قريباً بشرط أن يعم الخراب والدمار الأرض ومن ثم سيظهر ويستلم الحكم وإلى أن يظهر يبقى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية نائباً عنه فهو مجرد نائباً عن ذلك الإمام الغائب ودوره فقط مثلما يحدث في بعض الدول التي لحقت بركب إيران حكومة تصريف الأعمال (مثل حكومات لبنان المتعاقبة).
ويبقى دور حكومة تصريف الأعمال في إيران تهيئة الظروف المناسبة لظهور الأمام الغائب قدس الله سره وهذه التهيئة تكون بإشاعة الفوضى والخراب والدمار في المنطقة والعمل بجد وقوة وتسخير كل المقدرات من أجل أن تتهيأ الظروف المواتية لظهور الإمام الغائب وهكذا نرى العراق وسوريا ولبنان واليمن وكادت بعض الدول أن تلحق بهذا الركب لولا فضل الله ويقظة قيادة وشعوب هذه الدول التي وقفت ضد هذا المشروع التخريبي.
أمام هذا المشهد الكهنوتي البالي يقف الغرب العلماني المتعلم الذي صدر لنا النظريات العلمية التي تقوم على إعمال العقل والفكر في الاستنباط والتجربة ونبذ الخرافة والخزعبلات.
يقف هذا الغرب للتباحث مع هذا النظام الكهنوتي بشكل ندي تصل لدرجة التدليل والخنوع وهذا يجعلنا نطرح السؤال الكبير!
هل ما فعله الغرب من التعامل مع إيران نابع من قناعة بأن هذا النظام بفكره ومعتقداته ودستوره صالح للحكم في عصر العولمة والذكاء الصناعي؟ هل الغرب عندما يشاهد الملايين من اتباع النظام الإيراني وهم يجلدون أنفسهم بالسلاسل عقوبة لأنفسهم لأنهم تخلوا عن الحسين في كربلاء وأنهم يستحقون هذا الجلد حتى تسيل الدماء، وعندما يشاهد هذه الجموع تذرف الدموع وتلطم الخدود على تلك الصفعة المزعومة المكذوبة على عمر بن الخطاب للسيدة فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يصدقون ما يشاهدون وهل يعقل أن تقام المآتم على من توفي قبل 1400 سنة ولا يقيمون أي مآتم أو حتى مناسبة للرسول صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من عشرات الطقوس والخرافات التي لا يقبلها العقل.
هل الغرب مقتنع بما يشاهد؟
هذا يجعل المراقب والمتابع يطرح السؤال الثاني المهم هل النظام الإيراني بصيغته الحالية بفكره ومعتقداته وسياسته ونهجه ومشاريعه يمارس دوراً وظيفياً تم صناعته في شقة الخميني في باريس التي يقال أنها مملوكة لـ CIA الأمريكية؟
هل هذا الكهنوت التي جاءت به خطوط FranceAir عام 1979م كان ضمن مشروع غربي يحل محل معاهدة لوزان 1922م التي وضعت خرائط الشرق الأوسط الحالية والتي أكملت 100 سنة من عمرها.
هل أيقن الغرب بحروبهم الصليبية واستعمارهم الذي طال معظم العالم العربي والإسلامي والشرق بحروبه المغولية والتتارية أن لا أمل في هزيمة العرب والمسلمين بالحروب العسكرية مهما بلغت قوتها فرأوا من الأجدى البحث عن وسائل أخرى؟
من قراءات سريعة لبعض مفكري الغرب مثل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق وبرناد لويس وزيغنبو بريجينسكي ومذكرات هيلاري كلينتون يخرج المرء بعدد من الأفكار التي تدعم أن نظام إيران الكهنوتي ليس إلا مشروعاً غربياً لزعزعة الأمن في الوطن العربي وضعضعة التماسك العربي ضد إسرائيل التي هي نفسها مشروعاً بريطانياً تم تبنيه من الغرب وقد تحقق هذا النجاح بانشغال العرب والمسلمين عن القضية الأولى وهي فلسطين والقدس وتحريرهما وإقامة الدولة الفلسطينية إلى الانشغال بإيران وما تحدثه من خراب ودمار في الوطن العربي عطل التقدم والتطور في أربع دول من أهم الدول العربية وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن واتجهت كل المنطقة إلى التسلح وبناء الجيوش على حساب التنمية الاقتصادية وبناء الشعوب واللحاق بركب الدول المتقدمة.
وهذا في اعتقادي يتطلب مشروعاً عربياً إسلامياً مضاداً لإفشال هذا المشروع الغربي وإنقاذ إيران من هذه المؤامرة من خلال محاولة استعادتها ودمجها في العالم الإسلامي بالحوار البناء والهادف مهما كلف.
وإن بدا ذلك صعباً وبعيد المنال لعدم قدرة النظام الانفكاك من التزاماته التي تكبله وكأنه يستمد بقاءه من استمرار مشروعه.
رئيس منتدى الخبرة السعودي
التعليقات