في هذه الصفحات نفحات من سير شخصيات كانت منارات مضيئة، وسطعت نجومًا في سماء بلادها والعالم. شخصية اليوم:
نعيم النعيم... رجل البِرّ والفكر
عَرّاب الموانئ وقاهر الصعاب
الكتابة ليست ترفا، ولا أداء واجب، إنها مسؤولية ثقيلة تختبر مدى صدقنا، وهي صورتنا الضوئية عالية الدقة التي تعكس شفافية أرواحنا.
من السهل جداً أن يمتشق الكاتبُ قلمه، ويكتب ليقال: يا له من كاتب يبدع صف الحروف، غير أن المهمة الصعبة هي أن يترك الكاتب القلم في قبضةِ وعيه ليكتب عن رجال أحكموا قبضتهم بعُرَى النجاح، حتى صاروا رموزا يشار لها بالبنان.
الكتابة عن الرموز عمل شاق مخيف قَلَّ من يجتاز عقباته،وقَلَّ من يفي بما يجب الوفاء به، إنها كتابة تتطلب مهنية عالية وأدبية راقية وإلماما كافيا وعقلا واعيا يوجز مسيرة حافلة بالنجاح في بضعة أسطر.ولا أدّعي الحياد هنا هؤلاء الرموز خلطوا النجاح بالنبل مما يغوي الكاتب لاإراديا بالإنحياز
لو كنت أكتب سيرة أو مذكرات لانفتح لي المدى في الإسهاب، غير أني أكتب ومضات بارقة عن رموز عالية القيمة والمقام وهنا أكتبُ عن شخصية خارقة استطاعت في أعوام أن تنهض بمدينتها ووطنها وكل منصب تكون فيه.
أعترف أن الكتابة طريقي الوحيد الذي أسلكه وحيدا، ويرافقني فيه حشدٌ غفيرٌ من النبلاء أحملهم معي، ولأن السفر طويل أتخير من يشاركني طريقي، وينير لي وللسارين دروب الفلاح. تأسرني سيرة ومسيرة هؤلاء النبلاء ولذا أحاول ما استطعت أن أفي كل شخصيةٍ حقها دون إسراف أو إطنابٍ في المديح .
رفيقي هذه الليلة رجل عظيم نبيل.. أصيل المجد، عريق الأسرة، نبيل الأخلاق، ضخم الإنجاز، فخم الأثر، عذب الصيت، ملائكي السمات، نوراني الصفات.. هو الرمز الوطني الفخم، والقامة العملية الناجحة .. #نعيم_النعيم
هو الإداري المحنك ورجل الأعمال والإحسان الشيخ نعيم بن إبراهيم بن أحمد النعيم المولود في مدينة الأحساء بالمنطقة الشرقية عام 1376هـ- 1957م. هناك بين واحات النخيل وعيون الماء حيث نشأ في أسرة تحب العلم، وتؤمن بالتعليم،
وما إن استوى على ساقه حتى أرسلوه أهله وقلوبهم معلقةٌ بابنهم النجيب إلى الرياض، وهناك تلقى تعليمه الأولي، ولما رأوا منه اقتداراً وتميزاً واطمأنوا على حسن تأسيسه عاد إلى الأحساء، وأكمل فيها تعليمه الثانوي.
تزوج من سيدة فاضلة كان لها عليه أعظم الأثر.. هي الشامخة قَدْراً وروحاً وحسباً ونسباً السيدة ليلى الخطيب، ( أم ابراهيم )وكانت وجه خير عليه؛ إذ سرعان ما توالت البركات عليه..
بدءاً بذريته المباركة منها: إبراهيم، ومعاذ، وأحمد، الذين سطروا ملاحم في الإنجاز وخدمة الوطن، ومروراً بتفوقه الإداري الذي ناهز الأربعين عاما، وانتهاءً بكونه رمزاً وطنيا في مدينته ووطنه.
يقول عنه صديقه وقريبه عادل النعيم إنه كان وفيّاً لزوجته أم إبراهيم، وكان يذكرها بخير، ويثني على تضحياتها، ويُسنِد جميع نجاحاته في عمله وحياته وتربية أبنائه إليها؛ إذ كان كثير السفر والانشغال بحكم عمله،
فكانت أم إبراهيم نعم الزوجة والرفيقة، وإن زوجاً يقر بفضل زوجته لهو زوج ملائكي نبيل جدير بالتوفيق والتسديد. ومهما كان القلم فيه يجول، فالحديث عن إنسانيته يطول؛ فلم يكن رحمه الله أباً لأبنائه فقط، بل كان أباً لكل من يعرفه، ويقترب منه،
هو رجل من طراز ملائكي.. رجل العطاء والنماء والوفاء والأحساء.. أقول هذا وقد عرفته عن قرب، ورأيت منه ما يدهش المروءة.. لقد وظف المئات، وبذل ماله وجاهه في نفع الناس. ملامحه البيضاء تتحدث عنه، أفعاله النقية تؤكد أن إحسانه الخافي يفوق ما نعرفه عشرات المرات.
لقد كان مضرب المثل في بره بأمه رحمها الله، وبلغ بره بها أن ظل يحسن لخدمها وممرضيها إلى اليوم، ويصرف لهم الرواتب حتى بعد أن عادوا لبلادهم، هذا مع الخدم، فكيف مع سائر الأقارب والناس. وكان رحمه الله مربياً موفقا،
وأهدى هذا الوطن خيرة النشء من خلال أبناء نجباء تلقوا على يديه أفضل تربية، وتعلموا منه معنى القدوة الحسنة، وكل أحد منهم عَلَمٌ في رأسه نار، ناجح في مجاله، ورمز في ميدانه، ومفخرة لوطنه، وامتداد لأصل كريم سيظل حاضراً في أبنائه وأحسائه.
لقد أحب نعيم النعيم الأحساء وأهل الأحساء، وأولاهم من اهتمامه وعطائه ما يصعب على الحصر، ولا أبالغ إن قلت إنه أسهم في توظيف كثير من شبابها، وأسهم أيضاً في إقامة العديد من مشاريعها ومناشطها.
كان وازعه الحب، ولا شيء أقوى ولا أبقى ولا أنقى من عطاءٍ وازعه الحب. ولم ينحصر جوده على الأحساء فقط، فله في مواضع كثيرة بر وإحسان يعجز عن صوغه اللسان، داخل الوطن وخارجه.
وبعد وقوفي على شيء من بياض سريرته أعرض عليكم شيئاً من سيرته ومسيرته. عمل رحمه الله في بداية حياته مدققاً إداريّاً على المرتبة الخامسة في إدارة شؤون الموظفين عام 1978م، ثم تدرج وظيفيّاً في الإدارة، حتى عُيِّنَ مديراً لشؤون الموظفين في ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام،
وخلال حياته العملية حقق النعيم ثلاث قفزات بالمراتب الوظيفية؛ إذ رُقِّيَ من المرتبة السادسة إلى الثامنة، ثم من المرتبة 10 إلى المرتبة 12، ثم من المرتبة 13 إلى 15 بقرار من مجلس الوزراء،
وهذه قفزات محدودة معدودة لا تكون القفزة الواحدة منها إلا للنوابغ الأفذاذ، فكيف بمن حقق ثلاث قفزات! وفي عام 1982م عمل في ميناء جدة، ولفرط جديته واقتداره وسمو تطلعاته التحق بجامعة الملك عبدالعزيز، وحصل على البكالوريوس في العلوم الإدارية،
وعلى دبلوم في اقتصاديات النقل البحري، ثم حاز درجة الماجستير في اقتصاديات النقل الدولي واللوجستيات من الأكاديمية العربية للعلوم والنقل البحري في الإسكندرية. وبعد سبعة أعوام من عمله في ميناء جدة عُيِّنَ مديرا للشؤون الإدارية والمالية في ميناء الملك عبدالعزيز،
وهناك أعاد النعيم الهيكلة التنظيمية للميناء، واهتم بضوابط السلامة في بيئة العمل بشكل غير مسبوق في جميع موانئ المملكة والخليج. وبعد أربعة أعوام من النجاح والتميز صدر أمر بتعيينه مديرا لميناء الملك عبدالعزيز أكبر الموانئ المطلة على الخليج العربي عام 1993م،
وهناك أنشأ أقساما جديدة للتدقيق الداخلي، وأسّس الحوكمة بمعناه الدقيق للسياسات والإجراءات التي تضمن أفضل ممارسات العمل والتشغيل، فضلا عن إنشاء إدارة للتواصل مع العالم الخارجي.
وكان للنعيم إبّان إدارته لميناء الملك عبدالعزيز أعظم الأثر في تقديم الدعم اللوجستي أثناء حرب الخليج من خلال التعامل مع البارجات الحربية، والإشراف على حوادث السفن، ومكافحة التلوث الناجم عن تسرب الزيت، وكانت طريقته مضرب المثل في سرعة الإنجاز، ومرونة العمل، وضمان تحقيق السلامة.
واهتم النعيم كل الاهتمام بسعودة الكوادر الوطنية العاملة في ميناء الملك عبدالعزيز، وتطويرها في الوقت نفسه، وكان حريصاً كل الحرص على ابتعاث منسوبي الميناء لتحقيق درجات علمية عالية للمساهمة في إحداث التطور الذي يستحقه الميناء.
لقد حقق نعيم النعيم نجاحات لافتة من خلال إنجازات قادت موانئ المملكة إلى مكانة عالمية مرموقة، وصارت نموذجاً يُحتذَى في حركه التبادل التجاري، ومناولة البضائع، وتوفير السلامة.
وحقق الميناء بإدارته نجاحات باهرة على مختلف الصُّعُد، وفي عهده تضاعفت الإيرادات أضعافاً مضاعفة من ٢٢٠ مليون إلى نحو ١،٣٠٠،٠٠٠ سنويا.
لقد راهنت المملكة العربية السعودية على الاستعانة بالخبرات المحلية في تنفيذ كثير من مشاريعها المستقبلية، لذلك اختِيرَ النعيم الذي عمل في قطاع النقل لأكثر من 40 عاماً للعمل في مشروع نيوم كبيراً من كبار المستشارين السعوديين في مجال تأسيس وتطوير القطاع اللوجستي.
يروي وزير النقل السابق د. جبارة الصريصري في مقالة نشرها في صحيفة الرياض أن نعيم النعيم شعلة من الذكاء، وطاقة لا تنضب، وحماس متقد، وأنه مرجع في كل ما له علاقة بأنظمة الموانئ وإجراءاتها وما يواجهها من تحديات،
وأنه أول من تبنى أن الموانئ لا ينبغي أن تكون للتصدير والاستيراد فحسب، بل ينبغي أن تكون أيضا قلاعاً صناعية تتضمن كل ما له علاقة بالنقل البحري من صناعة ولوجستيات، ومخازن، وكان له ما أراد.
ويواصل د. جبارة بأن في حقبة النعيم سُهِّلت الكثير من الإجراءات المتعلقة بالاستثمار، وتأسست في الميناء بعض الأنشطة المهمة من قبل القطاع الخاص، ومنها شركة لصناعة سفن (القاطرات) التي أصبح إنتاجها ينافس ما تنتجه الشركات الدولية العريقة،
وشركة لصناعة المنصات البحرية التي تستخدمها شركات البترول عند استخراجه من تحت البحر، وبناء محطة جديدة للحاويات بتمويل كامل من شركة سعودية، وواحدة من أكبر شركات النقل البحري في العالم ضاعفت الطاقة الاستيعابية للميناء وزادت من أرباحه،
إضافة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الإدارية لتسهيل دخول وخروج البضائع، هذا غير بناء صوامع الغلال التي أسهمت في تسهيل استيراد الحبوب وتخزينها ونقلها.
وكانت أكبر أحلام نعيم النعيم رحمه الله التي استطاع تحقيقها سعيه في استصدار قرار مجلس الوزراء بتحويل المؤسسة العامة للموانئ إلى الهيئة العامة للموانئ باستقلال مالي وإداري، وبذلك أُعطِيَتْ كل الأدوات التي تُمَكِّن من مضاعفة النجاح.
ويمضي د. جبارة واصفاً تفاني النعيم في عمله بقوله: «لقد أعطى كل وقته وجهده للوطن، وكان كثير الأسفار متنقلاً بين الموانئ في الشرق والغرب من موانئ هونج كونج وسنغافورة والصين ودبي إلى موانئ أوروبا وأميركا وما بقي من وقته كان مشاعاً بين الرياض والدمام،
كان كثير الحضور إلى الرياض لمناقشة الموضوعات ذات الصلة بالموانئ سواء على مستوى وزارة النقل ومؤسسة الموانئ أو على مستوى هيئة الخبراء، وكنت أرأف به وأقول له: لماذا لا تستأجر شقة في الرياض لترتاح من عناء السفر شبه اليومي بين الرياض والدمام؟
وكان جوابه أنه لا يريد أن يزيد غيابه المتكرر عن أهله وبيته». وأثنى عليه كثيراً رئيسه السابق معالي عبدالعزيز التويجري الذي عرفه عن قرب، وكان معاليه قد لحظ نشاط النعيم واتقاد فكره وحرصه على التطور والتطوير، إلى جانب كونه رجلا نابها قادرا على المحافظة على العلاقات،
ويشارك الناس كبيرهم وصغيرهم أفراحهم وأتراحهم، ويقدم الدعم اللازم بكل سحاء ومودة. وقال عنه اللواء د. إسماعيل عبدالغفار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بجمهورية مصر:
«كان رحمه الله أخا وإنسانا عظيما، رحل عنا وفقدناه عام 2020م، وكان لقائي به عام 2012م، ووجدته على المستوى العملي إنسانا عظيما ورائعا جدا، كان دائما صاحب شخصية قوية هادئة متميزة، وصاحب قرار حاسم،
كان خلوقا ويعمل بجد واجتهاد، كنت أراه دائما حريصا على العلم، رأيته يطور من ميناء الدمام مع الأخذ بأسباب العلم». ويقول عنه صديقه عبدالله الجبر: «لمست فيه سمات الشخصية القيادية والاجتماعية من الطراز الأول،
ولكوني أعمل في قطاع التجزئة زرته في المكتب لمتابعة بعض المعاملات التجارية، ولمست فيه المرونة العالية، والرغبة الشديدة في التطوير، ووضع الحلول الآنية للمشاكل الطارئة التي يواجهها رجال الأعمال».
وقال عنه صديقه عدنان الملحم: «يمكن اختزال أبي إبراهيم في جملة واحدة للتعبير عن هذا الرجل، وهي: قصه نجاح». وقال عنه سعد العثمان وكيل إمارة المنطقة الشرقية سابقا: «كان حريصا على إتقان الجانب العلمي قبل الجانب التنفيذي،
وكان كثيرا ما يبذل الجهد في تلقي التعليم المناسب، وهو يعد مرجعا في تخصصه في المملكة والخليج العربي». وقال عنه مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية سابقا عبد الرحمن المديرس: «كان حريصا على إيجاد مدارس داخل ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام للبنين والبنات
وقد حرص على تشييد مبان مناسبة لتكون مدارس للتعليم، منطبقة المعايير، كل هذا لحرصه على توفير التعليم لأبناء العاملين في الميناء». وجاء حديث أحد أقربائه الدكتور سامي النعيم مؤكدا حرصه رحمه الله على الرفق بمن حوله
فلم يكن يُظهِر تعبه وانشغالاته لأفراد أسرته وإخوانه، كان قريبا من الجميع، ولا يمكن الاستغناء عن وجهة نظره، وكانت وجهة نظره ثاقبة، وتوجيهاته سديدة، وهذا الأمر كان معروفا عنه منذ طفولته، إذ كان أساتذته ومن حوله يتنبؤون له بمستقبل قيادي مشرق.
لقد قاد مفاوضات عديدة حقق فيها أعظم النجاحات، كما مثّل المملكة في العديد من الفعاليات الخارجية، واختير عام 2007م بصفته أحد الأشخاص المؤثرين في النقل البحري بالشرق الأوسط.
كان أبو إبراهيم من خيرة الرجال الذين بذلوا حياتهم في خدمة دينهم ووطنهم، وقد أتقن جميع المهام التي أسندت إليه، ونال ثقة المسؤولين من خلال ترشيحه لقرابة العشرين عضوية لعدة لجان ومجالس إدارات، وآخرها تعيينه مستشاراً كبيراً في نيوم.
وكتب عنه المهندس د. عبدالرحمن بن عبدالله الخطيب مقالة نشرها في صحيفة اليوم وصفه فيها بكامل الفضل والنبل، ودماثة الخلق، وحسن المعشر، والتواضع الحقيقي لا المصطنَع، والابتسامة المشرقة، ولين الحديث، والإدراك العلمي العميق،
وذكر نبذة مدهشة عن تقواه ومروءته، وبره بوالديه، ورفقه بأسرته، وحبه لزوجته، وصداقته لأبنائه النجباء المتطبعين بطباعه، ورحمته بالفقراء، ونفعه لكل من يلجأ إليه. كثيرون تحدثوا عنه،
وكان نبأ وفاته يوم السبت 17/ 1/ 1442هـ الموافق 5/ 9/ 2020م هو النبأ المدوي الذي أجرى الدموع والمداد، وتعثرت فيه الكلمات والمشاعر، واغبر فيه لون الأحساء الناضر.
قَدّمَتْ عنه #روتانا_خليجية #برنامج_الراحل الذي أعده محمد الخميسي، وتحدث فيه نخبة من المسؤولين وأصدقاء الفقيد وأقاربه، وكانت حلقة ممتلئة وفاءً وحُبّاً بسيرة رجل ممتلئ نجاحا وتميزا.
شهدتُ مجلس عزائه في الأحساء، ونحن شهود الله في أرضه.. ما رأيتُه على وجوه المعزين يؤكد تربعه في قلوب الناس.. أصحاب سمو ومعالي ومشايخ وسعادة تتغرغر عيونهم بالدموع، ويخيّم على وجوههم الوجوم،
هذا غير العيون الباكية والحشود المتوافدة من كل حَدَب وصَوْب لتقديم واجب الوفاء قبل العزاء. هناك شيء يُجري دموعنا مهما تصنعنا الثبات رغم أن أبناءه أعفوا الناس من الحضور إلا أن الحضور فاق التوقعات.. إنه الوفاء في أسمى صوره من أهل الوفاء لرجل الوفاء.
كل شيء في الأحساء يقول لك بأسى: غاب الجميل النبيل الطويل.. غاب الكريم نعيم النعيم.. يا الله.. كم هو عجيب! اليوم عزيت أهله به، واكتشفت أن نصف المدينة أهله! هذه عائلة كان هو عائلها، وهذا شاب هو الذي سانده ووظفه، وهذا وذاك، مما يصعبُ حصره .
ما أكثر الأشياء التي كان نعيم النعيم يقف وراءها ومعها وبجانبها، وهذا الكثير من العطاء هو القليل مما نعرفه! لفرط حزني على هذا الرجل الرجل، وبعد كلّ ما رأيتُ وسمعت عنه، لن أعزي ذويه.. بل كنتُ حينها أحتاج إلى من يعزيني فيه!
حزين جداً على غيابه، ولا ألوم أبناءه، ولا أهل الأحساء على فجيعتهم فيه. حزينٌ جداً جداً، ولكنني كنتُ سأحزن أكثر لو لم تكرمني الحياة بمعرفته، والقرب منه. لقد نعيتُه رحمه الله كما لم أَنْعَ أحداً من قبل في سلسلة تغريدات في حسابي في تويتر،
ربما معرفتي الوثيقة به، وإحاطتي بمنجزاته، وقربي من أبنائه جعلني أشعر أنني ابنه الطائع، وأخوهم الرابع، وسأظل أذكره ما بقيتُ على الأرض، وما بقي في قلبي نبض.
ونعاه أحباب وأعلام من كل مكان، قال عنه د. سامي النعيم: «يعجز اللسان عن مدح هذا الرجل، ويكفي محبة الناس جميعا له، الكل يتحدث عن مواقف لا تنسى مع هذه الشخصية بطريقة تجعل من لا يعرفه يتمنى مقابلته ومعرفته عن قرب».
وعلَّقَ د. فواز اللعبون على استمرار إحسان الراحل لخدم أمه بعد وفاتها بقوله: «استمرار صرف الشيخ نعيم النعيم رحمه الله رواتب خدم أمه بعد وفاتها وبعد عودتهم إلى بلادهم بِرّ لم يَسبقه إليه أحد حسب علمي.. شيمة كهذه يجب أن تدوّن وتدرّس.
يا والدنا نعيم النعيم، انعم بالنعيم، فبين صحائف أعمالك شهادة بر يعلو قدر حاملها في جنات النعيم». وقال عمر بن عبدالرحمن المقرن: «عاشرته أكثر من عشرين سنة في مجال العمل، رجل القرار والعمل الجاد والتطوير الإداري والتصورات المستقبلية، كان فعلا عراب الموانئ».
قال وليد بادغيش: «كان باب مكتبه مفتوحا للجميع، وبحكم علاقاته كان يسهم بشكل كبير في حل أي معضلة تواجه الموظفين سواء على الصعيد الشخصي، أو العملي، كان نعم الأب والأخ والمعلم لجميع منسوبي الميناء».
وكتب عنه أ. عبدالله الجبر: «بصماته في حركة الموانئ السعودية كبيرة، ما إن تُذكر المؤسسة العامة للموانئ حتى يُذكر أبو إبراهيم». قال عنه سلمان الجشي: «الابتسامة لم تفارقه في كل الثواني.. بلسم لكل محتاج.. صاحب صاحبه». يالها من عبارة ( صاحب صاحبه )
هذا قليل من كثير، وآمل حقّاً أن يبادر أبناؤه البررة إلى رصد سيرته وأعماله وما قيل فيه، وتوثيق إنجازاته، فهو والله جدير، ومثله أنموذج يُحتذى في النبل والتوفيق.
كما أقترح على الجهات الرسمية تسمية أحد المعالم أو الطرق الأحسائية باسمه تخليداً لذكرى رجل خَلَّدَه المعروف، وليقتدي به أهل الإحسان. أسأل الله له الرحمة، ولأحبابه الصبر، وما عزائي مما أنا فيه إلا أن أعماله باقية، وصيتُهُ وروحه في أبنائه حاضرة، وعلى أعماله الخيرية شاهدة.
قفلة أخيرة رجلٌ بنورِ الله مشتمِلٌ لاحَ البهاءُ عليهِ والفضل ما في الخلائقِ مَن يشابِهُه أبداً وليس لِمثْلِهِ مِثْلُ أفراحنا تزهو بطلعتِهِ وطموحُنا في ظلِّهِ يعلو المستحيلُ لديهِ منحسِمٌ والصعبُ في عَزَماتِهِ سَهْلُ واليومَ يومَ مضى لخالقِهِ ناحَ الوفاءُ عليه والنبلُ
التعليقات