التصعيد هو ردُّ فعل كيميائي، وإعلاءٌ لرغباتٍ لاواعية مكبوتة، بغية إخراجها بشكلٍ يتلاءم مع الحالة الاجتماعية السائدة. ويتمُّ هذا الإعلاء بطريقةٍ غير مُدرَكة، بمعنى أنه يجري خلف ظهر الأنا والوعي إن صح التعبير، لذلك نحن لا ندركه بل نتعامل مع نتيجته النهائية.
وهذه العملية لا تمثِّلُ تصعيداً للرغبات الجنسيّة فحسب، أي تحويل الدافع الجنسيّ إلى مشاعر أكثر رُقيَّاً كمشاعر الحب مثلاً، وبدل أن يهبط الإنسان إلى قاع لاشعوره وينزل إلى مستوى الرغبة الجنسية بشكلها البدائي، يقوم برفعها إلى مستواه الشعوري الاجتماعي المقبول... بل تتجاوز ذلك بكثير لتطاول كلَّ مكوّنات الواقع اللاشعوريّ ودافعَيْه الأساسيَّيْن نحو الموت ونحو الحياة.
وقد تكون هذه الآلية، أي التصعيد، المُحدِّد الأساسي الذي يقف وراء الكثير من المهن والسلوكيات التي يزاولها الناس، حيث إنها تطاول أساسيات دوافعنا كافةً وتقوم بإخراج بعضها بالشكل الأنسب اجتماعيَّاً والأكثر توافقاً.
فعلى سبيل المثال، فإنَّ مهنة الجرّاح، المهنة الإنسانيَّة، هي في جذرها اللاشعوريّ ميلٌ ساديٌّ ورغبةٌ دفينةٌ بحب الإيذاء والرغبة في تعذيب الآخر! لكنَّ هذه الرغبة قدّ تمَّ تنقيتها وتصعيدها لتأخذ شكلاً أرقى وأكثر فائدةً للإنسان والمجتمع.
وهكذا بدلاً من أن يستخدم الإنسان سكينه ليؤذيَ الآخر، يستخدم الطبيب مشرطهُ لإنقاذ حياة هذا الآخر.
وعلى الرغم من تشارُك مجموعةٍ من العوامل الشعوريَّة الأخرى في مهنة الجراحة (كما يرى إيريش فروم وغيره من علماء النفس) كالرغبة في العمل السريع تحت الضغط، وموهبة خفَّة اليدين في إنجاز الأعمال، وموهبة اتخاذ القرار المناسب في أسرع الأوقات وأصعبها... إلا أنَّ الدافع الخفيّ اللاشعوريّ هو الرغبة في الإيذاء!

باحث سوري في علم النفس التحليلي.