قد يُفسر الإنسحاب غير المحسوب لإدارة بايدن من أفغانستان بأنه تخلٍ عن الحليف الذي يُدعم من 20 سنة أو هو كما بات يُعرف عن أمريكا بأنها تتخلى عن حلفائها . فرغم الفاتورة الباهظة التي دفعتها الولايات المتحدة منذ عام 2001 في أفغانستان والتي تجاوزت تريليون دولار ها هي إدارة بايدن تنفذ عملياً ما كان قد دعا إليه سلفه ترامب من سحب للقوات الأمريكية من أفغانستان، وربما من العراق وسوريا وبقية مناطق الوطن العربي.
ما يثير الدهشة أن عقدين من وجود القوات الأمريكية في أفغانستان لم تستطيع خلالها بناء دولة أفغانية ذات بعد سياسي واجتماعي وشعبي على الأرض الأفغانية، بل الملاحظ أن طالبان كانت خلال هذه السنين تبني نفسها عسكرياً واجتماعياً وشعبياً بل وعقدياً ومذهبياً، وهذا ما يفسر تهاوي الولايات والمدن الأفغانية الواحدة تلو الأخرى وقد تسقط كابل قبل أو أثناء كتابة هذا المقال إذ وأنا أكتبه سقطت مزار شريف وعدد من المدن المجاورة وهذا له رمزية تاريخية واجتماعية كبيرة , وهذا يطرح الأسئلة المهمة:-
هل بات الشعب الأفغاني يؤمن بالفكر والعقيدة الطالبانية؟
هل فشلت الحكومة الأفغانية في بسط نفوذها وسيطرتها عسكرياً على التراب الأفغاني مما جعل هذا السقوط مدوياً وسريعاً؟
هل كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس دور المراقب لا دور المصلح الباني؟
ما يحدث لآلاف على الأراضي الأفغانية يوضح المشهد الحقيقي للأيدلوجية التي تحكم أفغانستان الشعب والمجتمع:
طالبان كمنت 20 سنة وهي تعمل ليوم الإنسحاب الأمريكي الذي كانت مؤمنة بحدوثه حين قال أحد قادتهم عام 2001 سنعود قريباً !!! لذا كانت الخطط جاهزة والترتيبات حاضرة وكان أسلوب الصدمة هو الحل الناجح لخطتهم في السيطرة على كامل أفغانستان فقبل أن يفوق العالم من صدمة الإنسحاب الأمريكي المفاجئ وقبل أن يستيقظ أمراء الحرب السابقين لجمع فلولهم ومقاتليهم وقبل أن يحل فصل البرد والثلج رأى القادة الطالبين أن أسلوب الصدمة العسكرية والهجوم الخاطف لبسط النفوذ على كامل أفغانستان هو الأمثل في الوقت الذي يبقي باب التفاوض والسلام مشرعاً !! في ظل وجود عقيدة عسكرية لدى مقاتلي طالبان تجعلهم يسعون لتحقيق أهدافهم عكس مقاتلي الحكومة التي يفتقدون للعقيدة العسكرية والقيادة الميدانية الخبيرة وهذا جعل هذه القوات مفككة تسلم أسلحتها تارة وتهرب لدول الجوار تارة أخرى.
خطة ناجحة لو طبقها منصور هادي وجيشه لإستعادة صنعاء في الشهور الأولى من سقوطها بيد الحوثي لنجحت .
وقد أدركت حركة طالبان لو تأخرت وبدأ التدويل أو التدخل الخارجي فقد يعيق تقدمها نحو العاصمة بل قرأت أن الهجوم السريع والضربات الخاطفة أنجح وأسرع !
ما لم يكن في حسبان إدارة بايدن أو ربما كان في حسبانها فنقول إنها ضربة معلم أن عودة طالبان لحكم أفغانستان قد أسقط في يد نظام طهران الذي كان داعماً لها طيلة السنين الماضية بل إستضاف العديد من قادتها وقادة القاعدة لأجل النيل من الوجود الأمريكي.
الآن طالبان هي ضد عقدي ومذهبي لإيران وهذا من شأنه أن يجعل حدودها البالغة ألف كم غير أمنة ويمكن قيام ميليشيات مضادة لطهران ويمكن نشوء مليشيات لدعم الحركات البلوشيه المسلحة في جنوب شرق إيران حيث ترتبط معها بروابط فكرية وأيدلوجية وهي في صراع مع الحرس الثوري الإيراني في ظل فشل إيران في بناء لواء الفاطميين الذي كانت تسعي لبناءه وتقويته وقد تضطر لسحب بعض ميليشياتها من سوريا أو العراق والزج بهم في أتون إحتراب أفغاني وهي تعلم أنها لا تستطيع إنشاء حشد أفغاني شعبي مماثل للحشد الشعبي في العراق لعدم وجود حاضنة شعبية رمزية يُعتد بها في أفغانستان يمكن أن تؤسس لهذا الحشد , ولكنها قد تلجأ لدعم بعض قبائل الشمال الشيعي لمزيد من إقلاق حركة طالبان دون أن تدخل مع الحركة في عداء قد يستفز طالبان للتحالف الإستراتيجي مع الجارة باكستان، وهنا تكون قد سقطت إيران في تحالف باكستاني أفغاني يجعل نظام طهران يعيد حساباته في الملفات التي يتمسك بها في تدخلاته المعروفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وفي إعتقادي أنه في ظل الانكفاء الأمريكي وبروز الدور الروسي الصيني في شرق أسيا فقد يشهد نوعاً من التوازنات في العلاقات الدولية المجاورة فإ يران تعلم أن تركيا تختلف معها مذهبياً وأن اتفقت سياسياً، وكذلك باكستان وطالبان، وهذا من شأنه أن يجعل طهران تعيد حساباتها من جديد وأن عليها العودة والإنكفاء للداخل الإيراني قبل أن تجد نفسها في نفس الكماشة التي طالما سعت لوضع الوطن العربي داخلها.
د. احمد حسن الشهري رئيس منتدى الخبرة السعودي
التعليقات