على الرغم من الابتعاد الكبير -من حيث الطبيعة- ما بين الهوس وهو المزاج العالي غير الطبيعيّ والطاقة بأقصى درجاتها... والاكتئاب، وهو عكس ذلك حيث التعب والهُزال والكآبة، إلا أنهما يلتقيان، أحياناً، ومن خلال حالاتٍ مَرَضيّة واضطراباتٍ متعدِّدة على غرار اضطراب ثنائيّ القطب، أو ما يُسمّيه البعض بـ"ذُهان الهوس الاكتئابي".
وتأتي معاناة الشخص المُصاب بهذا الاضطراب على شكلِ نوباتٍ متفاوتة الشدَّة بمزيجٍ من حالتين متناقضتين هما: الهوس والكآبة.
إلى ذلك، يمكن اعتبار اضطراب ثنائيّ القطب النسخةَ الذُّهانيَّةَ المُعدَّلةَ للمرض العُصابيّ النفسيّ المُسمَّى: التقلُّب الدوريّ الانفعاليّ.
إنَّ الهوس، في هذا النوع من الاضطرابات، يختلفُ قليلاً عن الهوس التقليديّ المُتمثِّل بالانشغال الزائد بأمرٍ أو موضوعٍ ما، فهو هنا ميَّالٌ إلى كونهِ هيجانياً أكثر من كونهِ انشغالياً-استحواذياً. هذا المزاج الهياجانيّ يقود إلى مزاجٍ متأرجح على الدوام تتخلَّله سَوْرات من الغضب وساعات من الخمول. لذلك يُلاحظ من خلاله الطاقة المُزيَّفة والانفعالات المتقطِّعة وتضخيم الأفكار والتكلُّم القسريّ.
وبعد سلسلة مُعتادة من الانفعال وتوهُّم الطاقة والقوَّة، يأتي الاكتئاب ليُرخيَ ستائرهُ على الشخص الذي كان للتوّ كتلةً من النشاط والحيويَّة، وليُحِلّ محلهما شعور الكسل والخيّبة والحزن!
إنَّ أهم ملاحظة يمكن أن يُبديها المُراقِب لهذا الاضطراب هي الانتقال المباشر والفوريّ من الصخَب إلى السكون دون أيَّة مقدّمات أو تمهيد! وكأنما الشخص المصاب بهذا الاضطراب يقوم بما يشبه عمليَّة قلب النوّاس من حالةٍ إلى نقيضها في طرفة عين.
إنَّ التشخيص التفريقيّ للحالة النفسيَّة والعقليَّة ضروريٌّ كمقدمة أساسيَّة للبدء بالعلاج، ومن ثمَّ يأتي ما يُسمَّى بالعلاج الوقائيّ؛ والذي هو مزيجٌ من نوعين من العلاج: العلاج الدوائي بالتزامُن مع العلاج النفسيّ، بغية تحقيق الاستقرار في المزاج، والتخفيف من الأعراض الناتجة عن الاضطراب.
(*) باحث سوري في علم النفس التحليلي.
التعليقات