مسببات اضطراب الغدد الصماء هي مواد كيميائية تحاكي أو تمنع عمل الهرمونات الطبيعية في جسم الإنسان. الهرمونات الطبيعية هي مواد كيميائية تفرز بكميات دقيقة من الغدد الصماء في الجسم، والتي تشمل الغدة النخامية والغدة الدرقية والبنكرياس والغدد الكظرية والمبيض والخصيتين.
في الجسم، تتحكم كميات ضئيلة من الهرمونات الطبيعية في النطاق الكامل للنمو والتطور والتكاثر، بدءاً من مرحلة ما قبل الولادة وحتى المراهقة والبلوغ والشيخوخة. ويتم إطلاق الهرمونات في الدورة الدموية في أوقات محددة وتراكيز مرهفة التوازن لضبط إيقاع واتزان عملية التطور الجسمي والعقلي عند الأطفال منذ مرحلة ما قبل الولادة وحتى مرحلة اليفع والبلوغ. وتستمر الهرمونات بفعلها التنظيمي الجوهري بعد مرحلة البلوغ لتنظيم جل العمليات الاستقلابية والتناسلية الإنجابية عند البالغين. من المقلق للغاية أن هناك الآن عشرات من المواد الكيميائية الاصطناعية التي هي من صنع الإنسان والتي يمكن أن تحاكي وتقلد وتنافس الهرمونات الطبيعية في أجسام ما يصل إلى 90٪ من سكان العالم. عند التفكير في الآثار المحتملة لهذه المواد المسببة لاضطرابات الغدد الصماء، من المهم أن نتذكر أن كمية الهرمون الطبيعي اللازمة لإنجاز المهمة متناهية الصغر في تركيزها في دم بني البشر. لذلك، فإن وجود تركيزات منخفضة من المواد الكيميائية الاصطناعية في الجسم والتي يمكن أن تحاكي وتقلد وتنافس عمل الهرمونات الطبيعية بالالتصاق المخاتل على مستقبلاتها في خلايا البدن بشكل يمنع الهرمونات الطبيعية من الوصول إلى تلك الخلايا، يكفي لتوليد مخاوف جللة، وهو الواقع السمي الذي أصبح بمثابة كابوس عرمرم يؤرق البشرية جمعاء.
كان هناك اهتمام شديد في السنوات الأخيرة بالنتائج النمائية للتعرض المبكر لمواد كيميائية تعمل كمواد مسببة لاضطرابات الغدد الصماء. فيما يلي بعض الأمثلة المحددة على بعض المواد والمشتقات الصنعية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء والاضطرابات التناسلية:
"بيسفينول أ" BPA: وهو عبارة عن مادة معطلة للغدد الصماء تُستخدم كمضافات للبولي كربونات وراتنجات الإيبوكسي الموجودة في البطانة البلاستيكية لعلب الطعام، وفي أدوات المائدة البلاستيكية، وفي المعدات الطبية، وفي اللعب والأدوات البلاستيكية، وفي حاويات تخزين الطعام، وفي أنابيب إمدادات المياه، وحتى في زجاجات الأطفال. ويمكن أن يتسرب بيسفينول أ إلى البيئة أو في الأطعمة أو السوائل المخزنة في حاويات بها "بيسفينول أ".
تظهر الأبحاث الحديثة أن التعرض لـ "بيسفينول أ" قبل الولادة وفي الطفولة المبكرة مرتبط بالعدوانية وفرط النشاط والسمنة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والتشوهات التناسلية التي تتراوح من البلوغ المبكر إلى العجز الجنسي وانخفاض مستويات الهرمونات الطبيعية.
الفثالات: هي مركبات كيميائية معطلة للغدد الصماء تضاف إلى البلاستيك لجعله أكثر مرونة. تحتوي جميع منتجات كلوريد متعدد الفينيل PVC تقريباً على الفثالات لجعلها أكثر مرونة ونعومة. مع تقدم عمر كلوريد متعدد الفينيل PVC، يفقد المنتج مرونته ويصفر ويصبح هشاً. في الواقع، يعد الاصفرار علامة واضحة على تسرب فثالات البلاستيك إلى البيئة وبالتالي إلى أجسامنا.
تحتوي الأنواع الأخرى من البلاستيك والعديد من المنتجات الأخرى على أنواع من الفثالات تساعدها على الاحتفاظ بلونها وقوامها ورائحتها. تستخدم الفثالات على نطاق واسع في معطرات الجو والشامبو وغسولات البدن والعطور ومستحضرات التجميل. ولا تبقى مركبات الفثالات بشكل لصيق في تلك المنتجات، إذ تنفصل بسهولة عن المنتج وتنتقل مباشرة إلى البيئة على نطاق أوسع. وللأسف الشديد فكل البشر الأحياء راهناً في كل مكان من أنحاء العالم لديهم تراكم ملحوظ من الفثالات في أجسامهم بكميات قابلة للقياس ومثيرة للقلق بشكل عميق.
ولقد تم ربط التعرض قبل الولادة للفثالات بتقاصر المسافة الشرجية التناسلية عند الأولاد الرضع الذكور، وهو اكتشاف يدل على انخفاض معدل الذكورة في الأعضاء التناسلية عند أولئك الأطفال. ويبدو أن هذا مرتبط في مرحلة البلوغ بانخفاض إنتاج الحيوانات المنوية والعقم الإنجابي. كما يؤدي التعرض للفثالات في مرحلة ما قبل الولادة وفي الطفولة المبكرة إلى تغييرات عصبية نمائية بنيوية في مرحلة الطفولة المتأخرة، تتجلى في تأنيث نمط اللعب عند الأولاد الذكور أي يصبحون ميالين للعب والتصرف كالإناث من أقرانهم، بالتوازي مع بروز نقص الانتباه والسلوكيات العدوانية عند الأولاد الذكور والبنات الإناث على حد سواء. وبشكل عام، يتأثر الأولاد الذكور بالفثالات أكثر من الإناث الفتيات.
تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.
التعليقات