تراجع الدور السياسي الأمريكي عالمياً .. أمريكا ما بعد احتلال العراق

إن المتتبع بدقة للشأن الأمريكي منذ العام ١٩٩٠ مروراً بالعام ٢٠٠٣ ووصولاً الى عام ٢٠٢٠ يجد الفرق واضح في تراجع الهيمنة السياسية الأميركية على العالم، نعم أنا اتفق مع كل من يقول بأنها اقوى دولة في العالم عسكرياً حيث بلغ حجم الانفاق العسكري فيها سنة 2020 نسبة 38% وبمبلغ مقداره 738 مليار دولار من مجموع النفقات العسكرية في العالم ولكن الذي حصل في الآونة الأخيرة هو أن الولايات المتحدة الأميركية قامت بتغليب خيار القوة وبشكل منفرد على الخيارات الأخرى في حل جميع القضايا الداخلية والدولية، وأن سبب ذلك يعزى وبلا شك إلى تراجع هيمنتها السياسية والدبلوماسية وانها لم تعد كسابق عهدها.

ولو عدنا بالذاكرة قليلاً الى الوراء وبالتحديد أيام الغزو العراقي للكويت عام ١٩٩٠ نجد بأن الولايات المتحدة كانت بكامل قوتها كدولة عظمى مسيطرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا على الرغم من ان العالم كان ثنائي القطبية بوجود الاتحاد السوفيتي السابق آنذاك كقوة عظمى لا يستهان بها، فعندما قام العراق باحتلال الكويت رأينا بوضوح الهيمنة الأميركية على العالم من خلال تحشيد كافة الدول ضد العراق و تشكيل تحالف دولي مكون من أكثر من ٣٠ دولة و بغطاء كامل من مجلس الأمن الدولي ولم يستطع الاتحاد السوفيتي من ايقاف هذه الحرب على الرغم من كونه حليف قوي للعراق آنذاك، والتي تم من خلالها انهاء الإحتلال العراقي للكويت وفرض حصار اقتصادي قاسي عليه دام ثلاثة عشر عام.

وفي عام ٢٠٠٣ نجد ان تراجع الهيمنة الأميركية بدى أكثر وضوحا عندما قررت غزو العراق و احتلاله عسكريا، فأنها لم تستطع أن تحصل على نفس الدعم الدولي الذي حصلت عليه أبان الاحتلال العراقي للكويت، بل وإنها فشلت حتى في التأثير على مجلس الأمن من أجل اصدار قرار يخولها بشن الحرب عليه، لا بل وإن الإدارة الأمريكية والمتمثلة بالرئيس بوش الأبن لم تستطيع من التأثير على الكونجرس نفسه والحصول على موافقته، مما اضطرها للتحرك منفردة دون الرجوع إلى مجلس الأمن، و هذا بحد ذاته يعد تراجعاً في مستوى الهيمنة السياسية لأميركا .

أما في ما يخص فشل الدور الأمريكي في احتواء إيران وبالتحديد ملفها النووي وتدخلها في الشؤون الداخلية لكل من العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين فهو يظهر لنا تراجع التأثير الأمريكي وبشكل متزايد على الساحة الدولية.

ان الموقف الأميركي من موضوع الملف النووي الإيراني هو موقف هزيل ومتراخي مقارنة بنفس الموقف الذي اتخذته ضد مفاعل تموز العراقي عندما اعطت الضوء الأخضر والمباركة والغطاء للطيران الإسرائيلي لقصفه وتدميره بشكل كامل، بينما نجد ان اقصى ما استطاعت اميركا فعله لأيران هو عقد اتفاقية بالتعاون مع اربع دول اوربية لمراقبة برنامجها النووي وكان ذلك في عهد اوباما وبعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة أخذ الدور الأمريكي بالتراجع بصورة أكبر من خلال عدم اتخاذه نهجاً سياسيا ثابتا ومستقر إزاء العديد من القضايا الهامة، و من بينها الانسحاب الأميركي بشكل منفرد من الإتفاق النووي الإيراني وعجزها عن ايجاد بديل لهذا الاتفاق يضمن عدم تطوير إيران لهذه الأنشطة ويحول دون امتلاكها للسلاح النووي الذي تسعى جاهدة للحصول عليه.

وعندما قامت إيران باسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار تراجع ترامب في اللحظات الأخيرة من الرد عليها بتوجيه ضربة عسكرية محدودة، وعندما تم اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في العراق ردت إيران على هذه الحادثة بشن هجوم بالصواريخ على قاعدتين عسكريتين اميركيتين مهمتين في العراق ادت الى جرح عدة جنود والحاق خسائر مادية في القاعدتين.

وهنا يبرز تساؤل، لو ان هذه الأحداث حصلت في فترة التسعينيات من القرن الماضي كيف سيكون الرد الأمريكي عليها؟ بالتأكيد سيكون الرد بشكل قوي وقاسي لأنها كانت بكامل قوتها حينذاك، و هذا دليل آخر على بداية التراجع في الهيمنة الأميركية.