ثمة من يؤمن بسطوة الحظ، وثمة من يؤمن ببذل الأسباب، وثمة من يتدارى بالحظ حسب مصلحته؛ فإن فشل فالحظ في ظنّه لم يساعده، وإن نجح فيقينًا بجهده!
أؤمن أن الحظ مزيج من الكدح والتفاؤل، ولا يأتي صدفة، ولا يمكن لأصحاب الهمم القاصرة أن يلتقوا به في طريقهم.

في الواقع أن الإيمان بالحظ حالة من الوهم نعلق عليها إخفاقاتنا، ونجاحات غيرنا، حتى نبدو أمام عجزنا أبرياء، وأمام اقتدار الآخرين مغلوبين على أمرنا.
وبكل ارتياح أستطيع أن أقول إن الحظ الموفق ما هو إلا حُسن استغلال الفرص، وهو أيضاً محاولة موفقة بعد عدّة محاولات فاشلة …
وربما يكون المرء موفقًا وهو يظن بنفسه الفشل؛إذ لو قَدَّرَ الله له النجاح الذي يريد لساقه نجاحُه إلى فشل أعظم، ونهاية وخيمة.
إن أول شروط الحظ الحسن ألا تعتمد عليه،بل أن تعتمد على الله ثم بذل الأسباب،والعمل الجاد،والمثابرة،ويقينًا لنفسك بأنك محظوظ،والإبتعاد عن التشاؤم والفأل السيء.


للنجاح لذة، تستشعرها أولًا في المحاولة والفشل، ثم المحاولة والفشل، وأخيرًا المحاولة والنجاح إذ لا يمكن أن تعادلها حينها لذة.
الهوس بالحظ يحرمنا هذه اللذة، وربما نجد من كانت طُرقه في الحياة معبدة بالزهور، ومن مُهِّدَتْ له الحياة من تلقاء نفسها، وربما لم تكن محاولاته فيها مرهقة، لكنه قد لا يستشعر لذة النجاح التي يتذوقها من ثابر واجتهد وصبر وتمرّغ في أوحال الفشل، واجتاز أهوال التجارب.
لقد تعلّق كثير من الناس بالحظ، حتى ركن العاجزون منهم إليه، وظنوا فيه الظنون، واعتقدوا قدرته الخارقة على تحقيق الصعاب.
ولم تكن هذه نظرة بعض العوام، فثمة أدباء ومفكرون أذعنوا لسطوة وهم الحظ، وها هو فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري يقول في لحظة يأس: ….
يُجالِدُ مَحرومٌ على الأمرِ فاتَهُ
ويُحرِزُهُ بالحظِّ مَن لمْ يُجالِدِ!

ويقول في موضع آخر:

لا تطلُبَنّ بغيرِ حظٍّ رتبةً
قَلَمُ البليغِ بِغيرِ حَظٍّ مِغْزَلُ
سَكَنَ السِّماكانِ السماءَ كلاهما
هذا له رُمْحٌ وهذا أَعزَلُ
السِّماكان نجمان نيّران أحدهما شماليّ يسمى الرامح؛ إذ يبدو وكأن رمحًا حوله، والآخر جنوبيّ يسمى الأعزل؛ إذ لا رمح لديه.

ويقول يائس آخر:
إذا لَم يُرزَقِ الإنسانُ حظًّا
فما حَسناتُهُ إلا ذُنوبُ
ويقول آخر:

إذا كان حظُّ المرءِ في الشيءِ مُقْبِلًا
تَأَتَّتْ لهُ الأشياءُ مِن كلِّ جانبِ
وإن أدبرَتْ دُنياهُ يومًا توعَّرَتْ
عليهِ فأعيَتْهُ وجوهُ المَطالبِ
وقد حث الذكر الحكيم على العمل والمحاولة والاجتهاد، قال تعالى:
{وقُلِ اعْملُوا فسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ}
ووصف الله عز وجل أصحاب الهمم والصبر بأنهم أهل الحظّ إذ قال عز وجل:
{ومَا يُلَقَّاهَا إلّا الذِينَ صبَرُوا ومَا يُلَقَّاهَا إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
لقد قرن الله الفوز بالصبر العظيم؛ لأن المحاولات والثبات عليها مشقة تحتاج إلى صبر عظيم، حتى نصل إلى نهاية الطريق، ونقطف الثمرة.
وقد فطن عقلاء الناس من مختلف الشعوب والمشارب إلى أن الحظ السديد هو نتيجة عمل سديد .
ويقول الكاتب والفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون «عجلة الحظ لا يدفعها إلا العمل»
ويقول الرّوائي الكولومبي الشهير غابرييل غارثيا ماركيث: «خلال حياتي وجدت أنه كلما عملت بجهد أكبر حصلت على المزيد من الحظ في حياتي»
ويُنسَب للكاتبالأمريكي روجر فريتز قوله :
«لم أعرف أبدًا شخصًا حالفه الحظ لوقت طويل، بل جميعهم كان يستحق ما ناله بجدارة»، ومن أقوال الكاتب والفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل:
«ليس للجاهل سوى الحظ.. سواء في إخفاقه، أو في تفوقه».
وفطنوا أيضاً لطريقة تفكير المبالغين في الإيمان بالحظ، فوجّهوهم إلى الحل المناسب، يقول الكاتب والروائي الأسباني ميغيل دي ثيربانتس: «القلب الجريء يحطم الحظ السيئ»
وقبله قال الكاتب والمفكر الشهير وليم شكسبير: «جنبًا إلى جنب يسير الحظ والجرأة».
تلك تجارب أهل التجارب الناجحين، فما بال البعض إلى الآن لازال يتعلق بقشة الحظ، ويندب عليها عجزه؟!
في رأيي لكل من يتوهم بالحظ فقط أقول له : يكفي، قم وانهض الآن، وحقق ما يليق بك، وحين تستوي على دروب النجاح ستسخر من رؤيتك القديمة، بل ستشفق على المتمسكين بها.
قفلة:
إن أبيتَ إلا أن تؤمن بالحظ فعليك أن تؤمن قبل ذلك بيقينٍ جازم أن حظّك الجيّد ليس سوى عملك الجيد، وأن حظك السيئ ما هو إلا توهمّك و إيمانك بأنك غير محظوظ.