ليالي الانس في فيينا لا انس فيها ولا من يحزنون، وادارة ازمة النفط تنطلق بنجاح من الرياض. فيما بين إستقلالين اثنين تنكشف الهوة بين الحياة والموت. ايمانويل ماكرون يحمل للخليج الهدايا ولا يَصدُق النوايا اما اهل العقل والحكمة فهم الغالبون.

ليالي الأنس
ليالي فيينا تستضيف مباحثات لا جميلات تتمايل فيها ولا أنس ولا صوت اسمهان يصدح، مباحثات مع نظام يتهاوى، يحكم بالحديد والنار، يضرب دول الجوار بمسيّرات ومليشيات ويحاول اشعال اعالي البحار وضرب الاقتصاد العالمي عبر الارهاب وتفعيل الوكلاء في العراق وسوريا واليمن وفي غزة ولبنان.

فيينا تلك المدينة الرائعة في مثل هذه الايام التي تسبق الاعياد المجيدة ورأس السنة، ترزح تحت ثقل دم المفاوضين من الاميركيين الى الروس مرورا بالاوروبيين وحتى الايرانيين، مجموعة من دول تتقاطع مصالحها مع بعضها واحيانا تتضارب، تفاوض على منح زمرة متطرفة دينيا وايديولوجياً قدرة تصنيع السلاح النووي الاكثر فتكا وتدميرا لكوكبنا المتهالك من الاحتباس الحراري والتلوث، عصابة تعتاش على الخرافات وصناعة الاوهام وتقدس الموت في سبيل مشاريع تجارية واقتصادية تحت راية مذهبية قائمة على روايات وثارات منذ الف واربعمائة عام واكثر.

في هذه المفاوضات المحسومة سلفا، حتى وان تعثرت في البداية بموجب مسرحية متقنة الاخراج ، تعتزم الدول الكبرى التوصل فيها لاتفاق على مقاس امال واحلام باراك حسين اوباما الذي عاد للبيت الابيض على هيئة بايدن وفي حلة انتوني بلنكين، تقمصمها وتلاقى مع الولي الفقيه على باب سردابه المظلم اما ليالي انس فيينا الرائعة فتلطخت بخرافات خامنئي وامنيات اوباما.

إدارة الازمة
ازمة اسعار النفط وسعي الولايات المتحدة تخفيض الاسعار لم تنته بعد، اجتماعات ولقاءات وتنسيق بين مختلف الاطراف تتم بالسر وبالعلن والنتيجة ان المملكة السعودية ليست مكسر عصا بايدن وطاقم بيته الابيض.

فلا الضغط ينفع ولا اخراج الاحتياطي ولا استمالة هذا الطرف او ذاك من اجل ضرب الموقف السعودي.

وزير النفط السعودي يدير هذه الازمة بالعقل والحكمة، تجربته الواسعة في ارامكو وفي اوبك ومع وزراء نفط سابقين جعلت منه صاحب الخبرة المعتمد عالميا.

طاقم البيت الابيض فشل في ارغام السعودية استقبال وزير الخارجية ولم تنفع تطمينات وزير دفاع بايدن من المنامة ولا مكالمات انتوني بلنكين الهاتفية مع فيصل ابن فرحان ويبدو ان حل الازمة لن يكون الا بدعوة محمد بن سلمان الى واشنطن والحديث معه على مجمل القضايا وبضمنها مسألة اسعار النفط وملف ايران النووي.

بين استقلالين
عندما تحكم نفسك وتضع المواطن في المركز والوسط تستطيع ان تكون مطمئنا ان مستقبل بلدك بخير وان احتفالك باستقلالها يكون له طعم الفرح والنجاح، خلال اسبوعين احتفلت دولة باستقلالها الثامن والسبعين في ظل فقر مدقع واقتصاد منهار واوضاع اجتماعية وسياسية متدهورة، دولة كانت تتباهى بتفوقها الثقافي والاقتصادي والسياحي والعلمي على مدى عقود خلت.

ومن ناحية اخرى احتفلت دولة اخرى في الخليج العربي بعيدها الخمسين مسجلة اعلى ارقام في الازدهار والتطور الاقتصادي على الصعيدين الخليجي والعالمي، دولة مكونة من سبع امارات وقبائل مختلفة ومتنوعة استطاعت توحيد العمل والجهود في صنع بلد اصبح قبلة للعالم في مجالات السياحة والاقتصاد والتجارة والتعايش والثقافة، مجرد التمعن في الاحتفالات لكلا البلدين يمكن ان نفهم معنى الاستثمار في الانسان ورقيه مقابل الاستثمار في التطرف والحروب.

ماكرون
جولة ايمانويل ماكرون الخليجية جاءت لتجديد العقود مع دول الخليج من جهة ولتسويق اتفاق مستقبلي مع ايران من ناحية اخرى، الفرضية الفرنسية كانت وما زالت، اتفاق مع ايران افضل من لا اتفاق وتقول الفرضية الماكرونية انه يمكن للمجتمع الدولي ان يراقب ما يحدث في ايران ويناقشها عندما يكون الاتفاق قائما وفي غيابه لا يمكن لومها او الضغط عليها، هذا المنطق قد يكون صحيحا مع دولة تحترم القانون والمواثيق الدولية وليس مع نظام قائم على الخداع والتكتم والتقية.

ايران كانت تخرق الاتفاقات السابقة دون حساب، والدليل انها طورت برنامجها النووي العسكري سرا في الوقت التي كانت تتعهد وتقسم اليمين ان لا برنامج عسكري عندها حتى كشفها موساد اسرائيل.

هذا الماكرون سيزور السعودية وسيحاول ان يبحث قضية ايران وسوريا وحل الازمة مع لبنان، بصفته وصي على بلاد الارز وتعهد بانقاذها من الانهيار وهو يحمل معه هدية على شكل كتاب استقالة وزير الاعلام جورج القرداحي الذي فجرت تصريحاته الازمة الاخيرة بين السعودية ولبنان.

الجهل الغربي فيما يتعلق بالعالم العربي عامة وبالسعودية خاصة مثير للاستغراب فهم لا يعرفون ان تحالف السعودية الاقوى والامتن هو مع بريطانيا ومع الولايات المتحدة، وكما قال احد العارفين ببواطن امور المملكة، الباقي تفاصيل، فهل يفهمها هذا الفتى ماكرون؟

دوائر ونقاط
اهل العقل والحكمة هم الغالبون، فالعقل إمام الزمان ونقطة البداية والنهاية في حياة الانسان.