من المبهج‭ ‬حقاً‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬عجلةَ‭ ‬الحياة‭ ‬وقد‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬الدوران‭ ‬على‭ ‬طبيعتها‭ ‬من‭ ‬جديد. فالمُدُن‭ ‬تكتسي‭ ‬رويداً‭ ‬رويداً‭ ‬بحلّة‭ ‬العيد،‭ ‬وتلبس‭ ‬أثواب‭ ‬الفرح‭ ‬والبهجة،‭ ‬والشركات‭ ‬والمصانع‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الانتظام‭ ‬في‭ ‬سكة‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬بتسارع‭ ‬مثير‭ ‬للإعجاب،‭ ‬وبِطاقة‭ ‬مقبولة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬دزينة‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬الشهور‭ ‬العجاف‭ ‬حلّت‭ ‬خلالها‭ ‬الجائحة‭ ‬ضيفاً‭ ‬ثقيلاً‭ ‬على‭ ‬الشرق،‭ ‬كما ‬على‭ ‬الغرب. ولم‭ ‬نخسر‭ ‬للأسف‭ ‬ضحايا‭ ‬الوباء‭ ‬وحدهم،‭ ‬وبينهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬وصنّاع‭ ‬الجمال‭ ‬الاستثنائيين،‭ ‬بل‭ ‬غابت‭ ‬أيضاً‭ ‬كثرة‭ ‬من‭ ‬علاماتٍ‭ ‬تجارية‭ ‬كانت‭ ‬واعدة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أسماء‭ ‬لامعة‭ ‬في‭ ‬مجالها،‭ ‬والأمل‭ ‬الآن،‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كما‭ ‬المزاج‭ ‬الإنفاقي‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬التعافي،‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬الساحة‭ ‬ولادةَ‭ ‬أسماء‭ ‬جديدة،‭ ‬وسنكون‭ ‬على‭ ‬وعدِ‭ ‬الثمار‭ ‬في‭ ‬الانتظار. ‬

ومن‭ ‬المبكر‭ ‬بالتأكيد‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬الجائحة‭ ‬باتت‭ ‬خلفنا،‭ ‬وكم‭ ‬كنا‭ ‬نأمل‭ ‬ألا‭ ‬تعدو‭ ‬كونها‭ ‬غيمةَ‭ ‬صيفٍ‭ ‬وعبرت،‭ ‬لكن‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمنية‭ ‬ليست‭ ‬واقعاً. فالوباء‭ ‬خطرٌ‭ ‬ماثل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يحدق‭ ‬بمختلف‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة،‭ ‬وهو‭ ‬أشبه‭ ‬بجرحٍ‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الإصابة‭ ‬واجب‭ ‬إنسانيّ‭ ‬وأخلاقيّ‭ ‬ووجوديّ،‭ ‬ويحلو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أضيف‭ ‬أنه‭ ‬واجب‭ ‬جماليّ‭ ‬أيضاً‭:‬ فبالانتصارِ‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬الانتشار‭ ‬مجدداً،‭ ‬ننتصر‭ ‬للأغنية‭ ‬واللوحة‭ ‬والتصميم‭ ‬المبتكر‭ ‬والعمارة‭ ‬المثلى‭ ‬وكل‭ ‬فن‭ ‬وجمال‭ ‬وإبداع،‭ ‬أما‭ ‬الأهمّ،‭ ‬وبالتساوي،‭ ‬فإننا‭ ‬ننتصر‭ ‬للتواصل‭ ‬الإنساني‭ ‬المباشر‭. ‬

وكم أسعدنا في How To Spend It Arabic أن نتواصل بشكل مباشر مع الشركاء والمعلنين والقراء ومعنيين آخرين خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، فشرَّفنا حضورهم حفل إطلاق النسخة العربية من المجلة في الشرق الأوسط، وقد اخترنا دبي لتستضيف هذا الحدث البديع. كانت رسالتنا مزدوجةً في أنَّ المحتوى المتميز قادرٌ على إحداث تأثير كبير وبفارق نوعي، وأنَّ تخطي الصعوبات وتذليل العوائق هو فعل إرادة وتصميم، ولا يتحقق بالمصادفة، بل بالمثابرة والاجتهاد. ويمكن أن يُكتب الكثير في هذا السياق عن الإلهام الذي تمثله الرياض وجدة ودبي وأبوظبي والمنامة والدوحة وغيرها من مدن المنطقة الأخرى، التي تبدو مجتمعةً كأنها تنخرط في سباق إيجابي للغاية، جاهدةً بكل عزم وتصميم للتحول إلى حواضر كبرى، وحاضنات لشتى صنوف الإبداع والجمال والعمارة والفنون والتميز على اختلاف أشكالها.

"‬بالانتصار‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬ننتصر‭ ‬للأغنية‭ ‬واللوحة‭ ‬والمنحوتة والتصميم‭ ‬والعمارة‭ ‬وللتواصل‭ ‬الإنساني‭ ‬المباشر‪ "‬

وما أكثر المآسي أيضاً في هذه البقعة من العالم، وما أعمق الجراح! لكن، ما يبعث الأمل في النفوس أن الكثير من مدن المنطقة تبدو في هذا الخريف كأنها تسير في كرنفال جماعي من فرح وبهجة. فالرياض في عيد، وجدة في عيد، والأقصر توقظ الفراعنة. وفي العلا، أكبر متحف مفتوح في العالم، تنطق كل زاوية من زوايا المدينة الرائعة وكل مهرجان من مهرجاناتها بمقومات الجمال والترفيه والرفاهية، وقد اختيرت عن جدارة كأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. غير بعيد عنها، في نيوم، يُكتب المستقبل، واحةٌ للسلام والإنجاز والعطاء والإبداع وتلاقي الشعوب. وفي دبي وأبوظبي، يعقب المهرجان المهرجان، ويلي الحدث الحدث، وكلها تجد فيئاً تحت مظلة عملاقة هي "إكسبو 2020"، وإطلاقه بحد ذاته رسالة إصرار على الإنجاز والعطاء، وتذليل العقبات مهما تعاظمت. في هذه الحاضنة الكبرى للتأثير والإبداع، تتلاقى الأمم، وتتبارى لإظهار أفضل ما لديها، في إطار تنظيم دقيق وإرادة أتاحت لدبي، بالرغم من الجائحة، إنجاز هذه التظاهرة العالمية الفريدة والمنتظرة وإنجاحها.

في الختام، يُسعدني أن أكرر الدعوة لمتابعة الموقع الإلكتروني الخاص بمجلة How To Spend It Arabic، والذي يتجدد بانتظام (howtospenditarabic.com)، مثلما يسرني أن أعلن أننا بانتظار أن تراسلونا لتلقي هذه المطبوعة الورقية الراقية والمتميزة، وسنكون سعداء بإرسال نسخة مجانية منها إليكم بالبريد شهرياً.

SamarAbdulMalak@

* افتتاحية عدد شهر كانون الأول/ديسمبر 2021 من مجلة الرفاهية العصرية How To Spend It Arabic التي تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز