التاريخ الاسلامي زاخر بالجماعات والحركات السياسية والدينية المتطرفة التي استغلت الدين اسوء استغلال لتحقيق مصالحها الطائفية والقومية ومآربها السياسية، كل واحدة منها ادعت انها الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة اسلامية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه؛ (ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة)، فاهل السنة والجماعة يدعون انهم هم الفرقة الناجية المقصودة، بينما يدعي "الشيعة" ان الفرق كلها في النار الا اتباع الأئمة من أهل البيت!

ولم تكتف فرق وتنظيمات اخرى كـ"القاعدة" و"داعش" التي لا تشكل الا نسبة ضئيلة جدا لا تكاد تذكر من مجموع المسلمين في العالم، بالادعاء انها هي المعنية في الحديث المذكور وان الجماعات الأخرى ضالة مضلة!، بل راحت تكفر المسلمين جميعا وتقاتلهم، ورغم ان الحديث في النهاية موضع جدل لدى بعض الفقهاء القدماء والمعاصرين والكتاب الاسلامويون مشككين في صحته، فعند "ابن حزم" الحديث موضوع وغير موقوف ولا مرفوع و"يرد على من يكفر الاخرين بسبب الخلاف في الاعتقاديات" وعند "ابن الجوزي" في "الموضوعات" (268/1) ان "هذا الحديث لا يصح عن رسول الله وقال العلامة ابن الوزير اليماني (ت840هـ) في "العواصم والقواصم" 186:1:"وإياك والاغترار بـ ‏‎"‎كلها هالكه إلا واحدة" ‎فإنها زيادة فاسدة، غير ‏صحيحة القاعدة، لا تؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة‎.‎‏

وبحسب الدكتور محمد عمارة وهو من العلماء المعاصرين "ان واقع الفرق الإسلامية لا يمكن التعبير عنه باي حال من الأحوال بالعدد ثلاث وسبعين فرقة" وهو نفس ما يعتقده الدكتور عبد الرحمن بدوي حيث يقول ”لا يمكن تصديق هذا الحديث كون الأعداد المحددة المتوالية 71-72-‏‏73 أمر مفتعل لا يمكن تصديقه فضلا أن يصدر مثله عن النبي".

على اية حال مهما كان وضع الحديث فان الحركات الإسلامية والطرق الباطنية بكافة تشعباتها تعمل به وتطبقه على ارض الواقع سواء كان الحديث صحيحا او غير صحيح، وكل فرقة ترى نفسها احق بتمثيل الإسلام والتحدث باسمه، ولكي تظهر تلك الحركات والاحزاب بمظهر الاسلام الحقيقي وتقنع الناس بانها فعلا الفرقة الناجية، فقد ابتكرت طريقة جديدة لم تكن معهودة في السابق وذلك بتدبيج عبارة "الله" او"الاسلام"، كـ"الحزب الاسلامي وحزب الله و انصارالله، احباب الله ..اصفياء الله، ربع الله.. حركة يد الله وثأر الله"، او الدعوة الإسلامية وغيرها من الأحزاب والجماعات والفصائل التي تدعي الانتماء الى الإسلام الحنيف والرافع لرايته والناطق باسمه وما عداها باطل بئس المصير!

وربما ستوضح المشاهد الطريفة التي بثها مقطع فيديو مصور عن مقاتلين في جبهتين معاديتين في مدينة ”تكريت" العراقية، احد المقاتلين من ميليشيا "عصائب اهل الحق" الشيعية والاخر من قوات تنظيم "داعش" الارهابي حصل الاول على جهاز لاسلكي في ارض المعركة عندما هاجمت جماعته ضمن قوات "الحشد الشعبي" المدينة التي كانت قوات "داعش" تحتلها وبدءا يتبادلان اطراف الحديث عبر الجهاز اللاسلكي، الاول يقول؛ نحن جند الله في الارض والاخر يرد عليه بل نحن انصار الله واحبائه وانتم اعدائه، وشهدائنا في الجنة وقتلاكم في النار! والاخر يرد عليه؛ اذا كنت تهددنا بالشهادة فنحن عشاق الشهادة! ..

وهكذا يستمر مسلسل الصراع العبثي بين فئات "اسلامية" ، كل واحدة تدعي انها الفرقة الناجية وان سرقت ونهبت خزينة الدولة وعاثت في الأرض فسادا! والأخرى هي الفرقة الهالكة التي أشار اليها رسول الله في حديثه المشار اليه والمثار للجدل!