لا يعني رحيل سعد الحريري عن لبنان، بدون أن يلوي على شيٍ كما يقال، إلّا أنه رحيلاً للطائفة السنية التي كان زعماؤها ذات يوم بات بعيداً زعماءً ليس لبلدهم فقط وإنما زعماءً عرباً قوميين كل واحد منهم مثل جمال عبدالناصر عندما كان في ذروة تألقه والمقصود تحديداً سامي الصلح وعبدالله اليافي.. وبالطبع رشيد كرامي وحسين العويني.. وعلى رأس هؤلاء جميعاً.. حسب رأيي صائب سلام وتقي الدين الصلح.. وسليم الحص وبالطبع ورفيق الحريري.. وفؤاد السنيورة.. نعم فؤاد السنيورة!!.

لقد كان عندما "يتنحنح" رياض الصلح أو عبدالحميد كرامي أو سامي الصلح أو حسين العويني أو صائب سلام أو عبدالله اليافي أو رشيد كرامي أو أحمد الداعوق.. ولاحقاً أو أمين الحافظ أو رشيد الصلح .. أو سليم الحص .. يصمت الحضور كلهم ويضعون أيديهم على رؤوسهم.. وهذا بقي مستمراً ومتواصلاً وإلى أن إنهارت المعادلات.. وإلى أنْ حسب شعراء باديتنا الأردنية:

.. أبو الحصين إشْرفْ على راس عالي

والنمّر وكّرْ وإلْبد السبع والذيب

والمهم أنّ هذا اللبنان، الذي كان مرجعية سياسية لمعظم العرب وهذا إنْ ليس كلهم.. في عهد القيادات التاريخية ليس "السنية" فقط وإنما وأيضاً "المارونية" والأرثوذوكسية والدرزية والشيعية.. وأيضاً والعلوية.. وسابقاً و"اليهودية" والكاثوليكية والأرمنية.. وحقيقة وغير هؤلاء، ها هو "يتقزم" وعلى هذا النحو، ومع الإحترام والتقدير لبعض القيادات الحالية، ويصبح زعماؤه أتباعاً الولي الفقيه في طهران.. وعلى رأسهم حسن نصرالله!!.

لقد كان الجنوب اللبناني، الذي بات برجالاته التاريخيين تابعاً لحزب الله ولأتباع الولي الفقيه ولكل هذه الشراذم الطائفية والمذهبية، مثابة حقيقية للقوى التقدمية وللأحزاب القومية.. وهنا فإنّ رموز هذه المرحلة البائسة.. ليس لبنانيا وفقط لا يعرفون وبالتأكيد أنّ "حزب البعث" في بدايات تألقه وإنطلاقه قد عقد مؤتمره القومي "الخامس"، على ما أظن في مدينة صور الجنوبية التي بقيت تنظر إلى فلسطين بحسرة موجعة بعدما باتت محتلة من قبل الشراذم الصهيونية.

وعليه فإنّ بلاد الأرز هذه لم تعد وللأسف تلك المنارة القومية العربية.. وأيضاً ولا المرجعية الحضارية لا للأوروبيين ولا للفرنسيين خاصة.. وهكذا فإنّ ما نراه الآن لا شك في أنه قد أوجع قلوب رموز تلك المرحلة التاريخية العظيمة حتى وهم في أضرحتهم.. رحمهم الله جميعا.. ونحن ورغم كل شيء بإنتظار أن تعود بلاد الأرز إلى أرزها وأن يستعيد أحفاد عظمائها ذلك التاريخ المجيد وتلك المرحلة العظيمة!!.